للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا فَإِنَّهَا لَا تُخْرَصُ، وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا إذَا حَصَدُوهَا وَدَقُّوهَا وَطَيَّبُوهَا وَخَلَصَتْ حَبًّا فَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الْأَمَانَةُ يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا إذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) .

ــ

[المنتقى]

بِمَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فَيَصِلُونَ هُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى عَادَتِهِمْ وَيَصِلُ الْمَسَاكِينُ إلَى حَقِّهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّخِيلَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلُ رَطْبًا فَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ وَقْتَ الْخَرْصِ هُوَ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الثَّمَرَةِ وَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَ جَمِيعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُ تَنَاهِي عِظَمِهَا وَتَمَكُّنِ خَرْصِهَا وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَتَّى خَرْصُهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَعْنَى الْخَرْصِ أَنْ يُحْزَرَ مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ النَّخْلَةِ مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ عِنْدَ الْجَدَادِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَجِنْسِهِ وَمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِثْمَارِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرًا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يُخْرَجَ فِيهَا الثَّمَرُ أَوْ الرُّطَبُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْخَرْصِ فِي هَذَا النَّوْعِ إلَّا فِي مَعْرِفَةِ النِّصَابِ خَاصَّةً.

(فَرْعٌ) وَمَتَى يُقَوَّمُ هَذَا النَّوْعُ عَلَيْهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ فَإِنْ أَكَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قِيمَتَهُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ عِنْدَ إزْهَائِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنٍ أَوْ نَقْصِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ يَتَأَتَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَحْتَاجُ مِنْ التَّحَرُّزِ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ وَإِبَاحَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مِثْلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّخْلُ الَّذِي يُثْمِرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يَخْرُصَ الْحَائِطَ نَخْلَةً نَخْلَةً فَإِذَا كَمَّلَ خَرْصَهُ أَضَافَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ وَأَمْكَنُ لِلْحَزْرِ فَإِذَا كَثُرَ النَّخْلُ مَعَ اخْتِلَافِهَا شَقَّ الْحَزْرُ وَكَثُرَ الْوَهْمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يُخَفَّفُ فِي الْخَرْصِ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُلْغَى لَهُ شَيْءٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ لِلْمَالِ الْمُزَكَّى فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ تَخْفِيفٌ كَعَدِّ الْمَاشِيَةِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا الثُّلُثَيْنِ وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْفِيفَ فِي الْأَمْوَالِ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ الْمِسْكِينُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيُهْدِيَ إلَيْهِ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ حَائِطٌ مِنْ أَكْلِ طَائِرٍ وَأَخْذِ إنْسَانٍ مَارٍّ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَ فِيهَا الْخَارِصُ الْوَاحِدُ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ» الْحَدِيثُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْخَارِصَ حَاكِمٌ لِجِنْسِ الْعَيْنِ الْمَحْكُومِ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَأَمَّا الْمُحَكِّمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُمَا يَخْرُجَانِ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَأَشْبَهَا الْمُقَوِّمِينَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَيُخْرَصُ عَلَيْهِمْ وَيُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا يُرِيدُ أَنَّ الْخَارِصَ قَدْ قَدَّرَ مَا يَجِبُ فِي ثِمَارِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ فَسَلَّمَ إلَيْهِمْ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَيَأْخُذُونَ مِنْ الزَّكَاةِ بِمَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ الْخَارِصُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَعَ السَّلَامَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>