للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ مِنْ الثِّمَارِ إلَّا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ يُؤْكَلُ رُطَبًا وَعِنَبًا فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَلِئَلَّا يَكُونَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ فَيُخْرَصُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا وَيُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خُرِصَ عَلَيْهِمْ) .

ــ

[المنتقى]

مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَتْ أَنْوَاعُ التَّمْرِ كَثِيرَةً فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ أَوْسَطِهِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يُؤَدِّي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ.

فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَنْوَاعَ إذَا كَثُرَتْ لَحِقَتْ الْمَشَقَّةُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا وَشَقَّ حِسَابُ ذَلِكَ وَتَمْيِيزُهُ فَكَانَ الْأَعْدَلُ الرُّجُوعَ إلَى وَسَطِ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِثْلَهُ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَالٌ يُخْرَجُ زَكَاتُهُ بِالْجُزْءِ مِنْهُ وَلَا مَضَرَّةَ فِي قِسْمَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُخْرَجَ زَكَاةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ جُزْءًا وَاحِدًا أَوْ جُزْأَيْنِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَنْوَاعُ مُتَسَاوِيَةً فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ هُوَ الْأَكْثَرَ وَسَائِرُهَا الْأَقَلَّ فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْأَقَلِّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ فِي الصَّدَقَةِ وَيُكَلَّفُ صَاحِبُهُ الْوَسَطَ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِقِيَاسِ ذَلِكَ عَلَى الْغَنَمِ فَقَالَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْغَنَمِ تُعَدُّ عَلَى أَصْحَابِهَا بِسِخَالِهَا وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى تَمْرٍ فِيهِ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ وَالْوَسَطُ فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ وَسَطِهِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَا مِنْ الرَّدِيءِ، وَإِنْ كَانَ يُعَدُّ عَلَى أَرْبَابِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ جَيِّدٌ كُلُّهُ أَوْ رَدِيءٌ كُلُّهُ أُخِذَ مِنْهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ فِي الصَّدَقَةِ فِي التَّمْرِ فِي الْجُمْلَةِ لِمَنْ كَانَ تَمْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَمْرُهُ كُلُّهُ جَيِّدًا وَرَدِيئًا فَيَأْتِي بِالْوَسَطِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْجَيِّدِ أَوْ الرَّدِيءِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قَاسَهُ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ وَيَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ ثِمَارٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهَا عَنْهَا الْبَرْنِيُّ وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ التَّمْرِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ رَدِيئِهِ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ جَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا الصَّدَقَةُ مِنْ أَوْسَطِ الْمَالِ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْعَجْوَةُ مِنْ وَسَطِ التَّمْرِ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ النَّخِيلَ وَالْكُرُومَ تُخْرَصُ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ سَائِرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّمَارِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى «أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِي الْقُرَى إذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ أَخَرِصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا رَجَعَ إلَى وَادِي الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَتْ حَدِيقَتُك قَالَتْ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخِيلُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي هَذِهِ الثِّمَارِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهَا مِنْهَا رُطَبًا وَعِنَبًا وَيَبِيعُونَ وَيُعْطُونَ وَيَتَصَرَّفُونَ فَإِنْ أَبَحْنَا ذَلِكَ لَهُمْ دُونَ خَرْصٍ أَتَى عَلَى التَّمْرَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَسَاكِينِ مَا يُزَكَّى إلَّا الْيَسِيرُ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ مَنَعْنَا أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ التَّصَرُّفَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ فَكَانَ وَجْهُ الْعَدْلِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُخْرَصَ الْأَمْوَالُ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَابِهَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا وَيَأْخُذُونَ مِنْ الزَّكَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>