للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَهَا فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ قَالَ إنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْت كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْعُمْرَةَ مَعَ الْحَجِّ قَالَ.

وَقَدْ «أَهَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» )

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ جَمِيعِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَهَذَا مَعْنَى قِرَانِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ وَفِعْلُهُ لَهُمَا لَا يَنْفَصِلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ نُسُكُهُ وَلَوْ انْفَصَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَمَا كَانَ قِرَانًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى لَا يَصِحُّ إذَا نَوَاهُمَا أَنْ يُتِمَّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْعَبَ مِنْ الْأُخْرَى وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّ التَّحَلُّلَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِ حَجِّهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهَا وَتَحَلُّلُهُ بِالْحِلَاقِ بِمِنًى إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَإِنَّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمُقَامِ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِجِمَاعٍ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ عُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ مُفْتَرِقَيْنِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ لِتَمَامِ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ يُحَصِّلُ النُّسُكَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْأُخْرَى.

ص (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحْلِلْ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَجُّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى الْإِخْبَارِ عَلَى مَعْنَى سَفَرِهِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ مَعَ الْحَجِّ لَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَقْصُودِ سَفَرِهِ كَمَا ذَكَرَ الْحَجَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ بَاقِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا.

ش قَوْلُهُ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ مَعَهَا فَذَلِكَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَكُونُ قَارِنًا لَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِإِرْدَافِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِدْخَالِهِ لَهُ عَلَيْهَا فَائِدَةَ عَمَلٍ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْحَجُّ.

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ إلَيْهِ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُكْمِلْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ فَإِذَا طَافَ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا وَلَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ.

وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ مِنْ الْعُمْرَةِ فَصَحَّ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُكْمِلْ أَصْلُهُ الطَّوَافُ.

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالسَّعْيِ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِذَا شَرَعَ فِي السَّعْيِ فَقَدْ فَاتَهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ السَّعْيُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ افْتَتَحَهُ لِلْعُمْرَةِ وَمَضَى جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ لِغَيْرِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ افْتِتَاحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>