للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا) .

ــ

[المنتقى]

الْحَجِّ فَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ لَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَفْضِيلِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَوْ لِلِاجْتِزَاءِ بِالدُّونِ وَإِيثَارِ التَّمَتُّعِ بِالنِّسَاءِ إلَى وَقْتِ الْوُقُوفِ وَأَمَّا عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَنْ أَرَادَ فَسْخَ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيَتَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمَا قَالَ: إنَّهُ أَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ بَلْ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إسْرَاعًا إلَى الْمَدِينَةِ لِحُبِّهِ إيَّاهَا بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي قَدْ قُرِنَ النَّظَرُ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَعَ الصَّحَابَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لِمَا مُنِعَهُ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَاسْتِيطَانِهَا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ مُقَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ لَا يَكُونُ الْمُقِيمُ بِهَا مُقِيمًا وَلِمَا رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلْمُهَاجِرِ ثَلَاثٌ بَعْدَ الصَّدْرِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ «وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَشْرًا» وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «أَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ وَبِنِيَّةِ الرَّحِيلِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَطْرَأُ مَا يَمْنَعُهُ وَهَذَا مَقَامٌ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمُقَامِ وَلِذَلِكَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا الْمَقَامُ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْمُقَامِ أَنْ يَنْوِيَ مُقَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَمَا زَادَ؛ وَلِذَلِكَ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ غَيْرَ رَأْيِ عُثْمَانَ وَتَأَوَّلُوا فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَنْعِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّ مَكَّةَ بَعْدَهُ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ يَكُونُ لِلْمُهَاجِرِ اسْتِيطَانُهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْطَنُوا الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْبِلَادِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ كَالْحَجِّ، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى السُّنَّةِ مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فَرْضًا وَيَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ أَصْحَابِنَا فِي تَسْمِيَةِ مُتَأَكِّدِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ إذَا حَصَلَ عَلَى صِفَتِهَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ هِيَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذَا نُسُكٌ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ النَّفْلِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِ الْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ تَمَامَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ مَنْ شَرَعَ فِيهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَصَوْمُ النَّافِلَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا يُرِيدُ أَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُفَضِّلُ تَرْكَهَا وَلَا يُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ يَأْمُرُ بِفِعْلِهَا وَيُفْتِي بِتَأْكِيدِ حَالِهَا كَمَا يُفْتِي بِالْمُسَارَعَةِ إلَى مُتَأَكِّدِ السُّنَنِ لَا سِيَّمَا مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ كَالْوِتْرِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مِنْ سُنَّةِ الْعُمْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَأَنَّ الِاعْتِمَارَ مَرَّتَيْنِ إخْرَاجٌ لَهَا عَنْ سُنَّتِهَا وَمَوْضُوعِهَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ نَحْوَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اعْتَمَرَ مَرَّةً فِي الْعَامِ» ، وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>