للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ يَقَعُ بِأَهْلِهِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيَ وَعُمْرَةً أُخْرَى يَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إتْمَامِهِ الَّذِي أَفْسَدَهَا وَيُحْرِم مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَان أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا مِنْ مِيقَاتِهِ) .

ــ

[المنتقى]

النَّدْبِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ لَهُ إحْرَامٌ وَتَحَلُّلٌ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً فِي السَّنَةِ كَالْحَجِّ،.

وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فَلَمْ يُكْرَهْ تَكَرُّرُهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ النَّفْلِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا وَقَعَ بِأَهْلِهِ فَقَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَيُنَافِيهِمَا وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ هَذَيْنِ النُّسُكَيْنِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا وَالْهَدْيُ فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ النُّسُكُ الَّذِي أَفْسَدَهُ حَجًّا مُفْرَدًا أَوْ حَجًّا قُرِنَ بِعُمْرَةٍ أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَ حَجًّا مُفْرَدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي عَامٍ قَابِلٍ يَقْضِي مِثْلَ مَا أَفْسَدَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرِنَ الْحَجَّ الَّذِي أَفْسَدَ بِعُمْرَةٍ لَمْ يُجْزِهِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ النَّقْصِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَفْسَدَهُ أَوْ بِأَفْضَلَ فَإِذَا أَدْخَلَ فِي الْقَضَاءِ نَقْصَ الْقِرَانِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ حَجَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ مَكَانَهَا عُمْرَةً.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَارِنَ قَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّةُ الْقَضَاءِ إضَافَةَ الْعُمْرَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ دَمًا كَمَا لَوْ قَضَى مُتَمَتِّعًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ تَصِحَّ تِلْكَ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَفْسَدَ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءِ عُمْرَةٍ مُبْتَدَأَةٍ يَسْلَمُ إحْرَامُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَلَا تُرْتَدَفُ لَهُ عُمْرَةٌ أُخْرَى عَلَى هَذِهِ الَّتِي أَفْسَدَ وَلَوْ أَرْدَفَ عَلَيْهَا حَجًّا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُرْتَدَفُ الْحَجَّةُ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُرْتَدَفُ الْحَجُّ عَلَيْهَا وَيَصِيرُ قَارِنًا.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ هَذَا إحْرَامٌ قَدْ أُفْسِدَ بِالْوَطْءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ إحْرَامًا صَحِيحًا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُتِمَّهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ يَمْنَعُ مَنْ أَنْ يَطْرَأَ إحْرَامٌ صَحِيحٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذِهِ عُمْرَةٌ فَجَازَ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى يَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إتْمَامِهِ الَّتِي أَفْسَدَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى عُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ حَتَّى يُكْمِلَهَا وَيَحِلَّ مِنْهَا كَمَا يُكْمِلُ الَّتِي لَا فَسَادَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجَ مِنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا بِالْفَسَادِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا يَمْضِيَ فِي صَحِيحِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ خُرُوجُهُ مِنْهُمَا إلَّا بِالْإِكْمَالِ وَالتَّحَلُّلِ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِمَا وَيَصِحُّ رَفْضُهُمَا مَتَى شَاءَ الْمُكَلَّفُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ وَالْإِحْرَامِ لَهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ إفْسَادَ الْحَجِّ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْفَوَاتِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّةً فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ حَجَّةً عَلَى إحْرَامِهِ الْفَاسِدِ إلَى عَامٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُحِلَّ مِنْ حَجِّهِ أَوْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ إنْ كَانَ فَاتَهُ الْحَجُّ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاضِيًا لِحَجِّهِ الْفَاسِدِ إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ هَذَا وَابْتِدَاءِ إحْرَامٍ لِلْقَضَاءِ وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ الْفَاسِدُ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ إلَى عَامٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَيُحْرِمُ بِهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ وَيُحْرِمَ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مِثْلَ مَا كَانَ أَفْسَدَ، وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>