للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَ فَيُنْظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُطْعِمُ كُلَّ

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافًا رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ الطَّعَامِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ فَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا حَيْثُ يُرِيدُ إخْرَاجَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَرْخَصَ طَعَامًا مِنْ بَلَدٍ أَصَابَهُ أَوْ أَغْلَى وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ أَخْرَجَ الْجَزَاءَ عَلَى سِعْرِهِ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ حَيْثُ كَانَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ أَصَابَ الصَّيْدَ بِمِصْرَ فَأَخْرَجَ الطَّعَامَ بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ سِعْرَهَا أَغْلَى وَإِنْ أَصَابَ الصَّيْدَ بِالْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَ الطَّعَامَ بِمِصْرَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ سِعْرَاهُمَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ الطَّعَامُ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَرْخَصَ اشْتَرَى بِثَمَنِ الطَّعَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِبَلَدِ الصَّيْدِ طَعَامًا فَأَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى أَخْرَجَ الْمَكِيلَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْرُبُ ظَاهِرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْوَطُ الْأَقْوَالِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ إخْرَاجَهُ بِغَيْرِ بَلَدِ إصَابَةِ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) وَيُفَرِّقُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ الْإِطْعَامُ فِيهَا مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَهَذَا يُنْتَقَضُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ مُدَّ هِشَامٍ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُطْعِمُ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إطْعَامٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَجِبُ فِيهَا تَرْتِيبٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعَدَمِهِ أَذًى فَأَشْبَهَ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ كَسْرُ مُدٍّ فَإِنَّهُ يُعْطِي لِمِسْكِينٍ وَلَا يَلْزَمُ جَبْرُهُ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِطْعَامَ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيمَةِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ الْقِيمَةُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَوْ قِيلَ فِيهِ: يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ لَمْ يَبْعُدْ عِنْدِي؛ لِأَنَّ مَا يُدْفَعُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِقْدَارٌ لَا يَتَبَعَّضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينَيْنِ مُدًّا بَيْنَهُمَا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَجْبُرَ مَا يُعْطِي أَحَدَهُمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ اخْتَارَ الصَّوْمَ صَامَ عَنْ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سُنَّةِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ اعْتِبَارَ الصَّوْمِ بِالْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِفَةِ الِاعْتِبَارِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَابِلُ الْيَوْمَ مِنْ الْإِطْعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الصَّيْدِ مِنْ الطَّعَامِ كَسْرُ مُدٍّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُصَامُ يَوْمٌ كَامِلٌ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ إسْقَاطُ كَسْرِ الْمُدِّ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ إلْقَاؤُهُ وَتَبْعِيضُ الْيَوْمِ لَا يُمْكِنُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَبْرُهُ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَتَبَعَّضُ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْ بَعْضِ الْكَفَّارَةِ وَيَصُومَ عَنْ بَعْضٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْ جَمِيعِهَا أَوْ يَصُومُ عَنْ جَمِيعِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا كَفَّارَةُ شَرْعٍ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا التَّبْعِيضُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَيَقْتُلُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُحْرِمُ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَنَهَى عَنْ قَتْلِهِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِدَامَةِ إمْسَاكِهِ فَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْعِ الْقَتْلِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ الَّتِي تَنَاوَلَهَا النَّهْيُ عَلَى مَا وَرَدَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>