للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيَنْظُرُ كَمْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ مِسْكِينًا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا عَدَدَهُمْ مَا كَانُوا وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ شَرْطٌ فِي إخْرَاجِ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِذَلِكَ فَقَالَ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَجَعَلَ لِذَلِكَ شُرُوطًا مِنْهَا:

أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ النَّعَمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ بِصِفَةِ الْهَدْيِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَبْلُغَ الْكَعْبَةَ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ إلَّا فِي صِفَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الطَّعَامُ وَلَا الصِّيَامُ مِنْ النَّعَمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدِيَ وَلَا يُسَاقَ إلَى الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ فَكَانَ الْحُكْمُ شَرْطًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَصِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ فِيمَا مِثْلُهُ الْهَدْيُ مِنْ النَّعَمِ حُكْمًا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا لَزِمَهُ وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ وَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ بِحُكْمٍ مُسْتَأْنَفٍ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ الَّذِي أَصَابَ فَيَنْظُرُ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى مَا يُقَوَّمُ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يُقَوَّمُ بِالطَّعَامِ فَيَنْظُرُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَيُطْعِمُ مِنْهُ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْإِطْعَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومَ مَكَانَهُ يَوْمًا دُونَ حُكْمٍ وَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ فِي إخْرَاجِ الْمِثْلِ أَوْ إخْرَاجِ الطَّعَامِ فَأَمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالتَّكْفِيرِ بَدَلًا مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حُكْمٍ وَلِذَلِكَ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِالطَّعَامِ تَقْدِيرًا بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] فَأَمَّا إطْعَامُ الْمِثْلِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ وَاعْتِبَارٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَحَتَّمُ بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَمَّا حَكَمَا بِهِ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدِي أَنْ يُخْبِرَاهُ بِمَا يَحْكُمَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ وَمِنْ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ يُخَيِّرَانِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَ ذَلِكَ حَكَمَا بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحُكْمِهِمَا وَإِنَّ لَهُ الِانْتِقَالَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُخَيِّرَاهُ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدٌ مَا يُكَفِّرُ بِهِ حَكَمَا عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا حُكْمُهُمَا لَازِمٌ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَا عَلَيْهِ بِمَا حَكَمَا فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ وَلَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَازِمٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ لَزِمَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ فِي الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ إلَى هَدْيٍ وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْ إطْعَامٍ إلَى صِيَامٍ فَعَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُوَطَّأِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ حُكْمٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الصِّيَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ مِنْ الطَّعَامِ فَقَدْ تَقَرَّرَ بِالشَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي اسْتِئْنَافُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: إنَّهُ يُصَامُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمٌ فَيَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ وَحُكْمٍ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَعَلَّ اللَّفْظَ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ إعَادَةُ الْحُكْمِ فِي الصِّيَامِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالْمِثْلِ نَظَرَا إلَى مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيَحْكُمُ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ قَدَّرَ مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالصِّيَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّعَامِ إنْ أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِهِ وَبِذَلِكَ يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ عَدْلُ الطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الطَّعَامِ لِيَصِحَّ أَنْ يُعَادَلَ بِالصَّوْمِ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>