للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» ) .

ــ

[المنتقى]

مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اصْطَادَ فُلَانٌ سَبُعًا كَمَا يُقَالَ: اصْطَادَ ظَبْيًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: اصْطَادَ شَاةً وَلَا إنْسَانًا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَحْشِيٌّ لَا يَبْتَدِئُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا فَوَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُحْرِمًا كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي يَخْتَصُّ بَعْضُهَا بِمَعَانٍ مِنْ الضَّرَرِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا الْغُرَابُ وَالْحَدَأَةُ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُمَا لَيْسَتْ بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَا أَحَدًا فِي الْغَالِبِ وَلَكِنَّهُمَا يَكْثُرَانِ فِي الْغَالِبِ وَيَغْتَفِلَانِ النَّاسَ فَيَأْخُذَانِ الْأَزْوَادَ وَاللَّحْمَانِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ، وَالْفَأْرَةُ تَخْتَصُّ بِقَرْضِ الثِّيَابِ وَالْمَزَاوِدِ وَإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَالْعَقْرَبُ تُؤْذِي بِاللَّدْغِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ يُؤْذِي بِالْعَقْرِ وَالْفَرْسِ وَالْإِجَاحَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا عَدَا لَمْ يَكُنْ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ فَأُبِيحَ لِلْمُحْرِمِ دَفْعُ ذَلِكَ بِاغْتِفَالِهِ وَطَلَبِ غُرَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَحَرِّزًا فَقَصَدَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ فِي الْغَالِبِ دَفْعَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا فِي بَابِهِمَا وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِنْسِهِمَا مَا يَبْلُغُ ضَرَرَهُمَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ ضَرَرِهِمَا لَيْسَ لِشِدَّةٍ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ وَطَلَبِهِمَا الْغَفْلَةَ حَتَّى لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَلَا الِانْفِصَالُ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِمَا وَصَيْدِهِمَا وَأَمَّا الرَّخَمُ وَالْعِقْبَانُ فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ نَافِرَةٌ عَنْ النَّاسِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يَعْدُو فَهُوَ نَادِرٌ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفَأْرَةُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى الْفَأْرَةِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي جِنْسِهَا وَأَبْسَطُ حِيلَةً وَهَذَا أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَيْسَتْ تُؤْذِي بِقُوَّةٍ وَلَا بِمُغَالَبَةٍ وَإِنَّمَا تُؤْذِي بِاخْتِلَاسٍ وَمُدَاوَمَةٍ وَانْفِرَادٍ بِالْمَتَاعِ وَالزَّادِ وَلَا نَعْلَمُ مَا يُسَاوِيهَا فِي جِنْسِ إذَايَتِهَا فَكَيْفَ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْعَقْرَبِ وَيُتَّجَهُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ مَا تَقَدَّمَ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي بَابِهِ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ قَالَ: إنَّ اسْمَ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكَلْبَ؛ فَلِذَا نَصَّ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَجْلِ إذَايَتِهِ وَلَمَّا كَانَ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ مِثْلِهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَقَعُ عَلَى الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُمَا إبَاحَةُ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ لَا مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ.

(ص) (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ لَفْظَةُ «مُحْرِمٍ» أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْحَرَمِ حَلَالًا؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلهُمَا.

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» .

(ص) (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ فَوَاسِقَ» الْفِسْقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخُرُوجُ يُقَالُ فَسَقَتْ الثَّمَرَةُ إذَا خَرَجَتْ عَنْ قِشْرَتِهَا وَفَسَقَ الرَّجُلُ إذَا خَرَجَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَقَوِيمِ الطَّرِيقَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا سَمَّاهَا فَوَاسِقَ لِخُرُوجِهَا عَمَّا عَلَيْهِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ بِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَاوَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>