للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُمِرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ إنَّ كُلَّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ مِثْلُ النَّمِرِ وَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلْهُنَّ الْمُحْرِمُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ) .

ــ

[المنتقى]

الِاحْتِرَازُ مِنْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَكَادُ أَنْ تُعَرَّى هِيَ عَنْهُ.

(ش) : أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَذَاهُنَّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا بِابْتِدَائِهَا بِالْقَتْلِ وَلَوْ تُرِكَتْ إلَى أَنْ تَبْتَدِئَ هِيَ لَابْتَدَأَتْ بِهِ فِي وَقْتِ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهَا مَعَ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الْأَذَى وَلَا تَنْصَرِفُ أَنْ لَا تَعْدُو وَهِيَ شَائِعَةٌ فِي جِنْسِهَا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي غَارِ مِنًى بِقَتْلِ حَيَّةٍ» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْوَزَغُ فَهَلْ يَقْتُلُهَا الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَوْ تُرِكَتْ لَكَثُرَتْ وَغَلَبَتْ فَجَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَذَاهَا فِي كَثْرَتِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَذًى بِإِفْسَادِ مَا تَدْخُلُ فِيهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا فَاسِقَةً غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِلْمُحْرِمِ بِنُسُكٍ أَنْ يَقْتُلَهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي الْبُيُوتِ وَحَيْثُ يَقْتُلُهُ وَيَدْفَعُ مَضَرَّتَهُ الْحَلَالُ وَمُدَّةُ الْإِحْرَامِ يَسِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَأْرِ أَنَّ الْفَأْرَ أَكْثَرُ أَذًى وَتَسْلِيطًا وَأَسْرَعُ فِي الْفِرَارِ وَالْعَوْدَةِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُوَيْسِقًا وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ» فَلَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِمَّنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَهُ بِقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ تَوَقَّفَ عَنْ قَتْلِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى حَالِ الْإِحْلَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِثْلَ شَحْمَةِ الْأَرْضِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ الضَّرَرِ ابْتِدَاءً وَيَضْعُفُ عَنْ التَّحَرُّزِ وَالْفِرَارِ وَلَا يَكْثُرُ فِي مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ بَلْ لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِمَّا يَحْمِلُ فِي مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْهَوَامِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ كُلَّ مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ مِنْ هَذِهِ السِّبَاعِ وَأَخَافَهُمْ وَجَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ وَعُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِذَلِكَ فَإِنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَتَنَاوَلُهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَإِذَا كَانَ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَذَلِكَ الْكَلْبُ وَالذِّئْبُ وَاسْتُبِيحَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالذِّئْبِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ ذَلِكَ فَبِأَنْ يَسْتَبِيحَ قَتْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ أَوْلَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الذِّئْبِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَمَنْعَهُ.

وَجْهُ إبَاحَةِ قَتْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَاسِ وَتَكَرُّرِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى كَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَتَنَاوَلُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ غَالِبًا بِالْعَقْرِ وَالتَّفَرُّسِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّادِرِ أَوْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِصِغَارِ الْمَوَاشِي فَأَشْبَهَ الضَّبُعَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا قَتْلُ صِغَارِ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفُهُودِ وَمَا يَجُوزُ قَتْلُ كِبَارِهَا فَهَلْ يُقْتَلُ ابْتِدَاءً أَمْ لَا رَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازَ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْعَ ذَلِكَ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصِفُهُ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِذَلِكَ بِجِنْسِهِ وَهُوَ صِفَةُ صِغَارِهِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّرَرِ فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ كَالْهِرِّ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قَتَلَهَا فَهَلْ يَفْدِيهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا نَصَّ وَأُبِيحَ قَتْلُهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَتْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>