للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَا ضَرَّ مِنْ الطَّيْرِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْتُلُهُ إلَّا مَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ فَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ سِوَاهُمَا فَدَاهُ) .

ــ

[المنتقى]

لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ أَذَاهُ فَإِذَا صِيدَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ أَذَاهُ وَضَرَرَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا كَبِرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ فِيمَا قُتِلَ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ فِدْيَةٌ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَنْعٌ مِنْ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ الْآنَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالضَّرَرِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَالضَّبُعِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْهِرُّ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَوْحِشِ الَّذِي لَا يَبْدَأُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا بَلْ يَفِرُّ مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا رَآهُ وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: إنَّ الْهِرَّ الْوَحْشِيَّ سَبُعٌ عَادٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْدَأَهُ بِالْقَتْلِ وَمَا قُلْنَا أَبْيَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ قِرْدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَقْتُلُ خِنْزِيرًا وَحْشِيًّا وَلَا إنْسِيًّا وَلَا خِنْزِيرَ الْمَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ الذِّئْبَ وَشِبْهَهُ مِنْ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تُؤْذِي يُرِيدُ تَبْدَأُ بِالضَّرَرِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ وَدَاهُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تَبْدَأُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْدُو عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا وَحْشِيًّا أَوْ إنْسِيًّا أَوْ خِنْزِيرَ الْمَاءِ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ قَتَلَ الذِّئْبَ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ إلَّا السَّبُعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَقْتُلُ ابْتِدَاءً مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَامٌّ فِي الطَّيْرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] ، ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجُمْلَةِ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ فَبَقِيَ بَاقِي الطَّيْرِ عَلَى الْحَظْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَضَرَّتَهُمَا الَّتِي أَبَاحَتْ قَتْلَهُمَا لَا يُشَارِكُهُمَا فِي إبَاحَةِ الْقَتْلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إبَاحَةِ قَتْلِهِمَا ابْتِدَاءً فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا أَثْبَتَهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ.

وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ مَنْعَ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا مِنْ الْفَوَاسِقِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ قَتْلِهَا كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُمَا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَمْ تَبْدَأْ بِالْقَتْلِ كَالْعِقْبَانِ وَالنُّسُورِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا صِغَارُ الْغِرْبَانِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُودِيهَا إنْ قَتَلَهَا إذَا كَانَتْ صِغَارًا لَا حَرَكَةَ فِيهَا وَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَنَا لِأَصْحَابِنَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى الْفِدْيَةَ بِقَتْلِ كِبَارِهَا فَبَيِّنٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ بِقَتْلِ كِبَارِهَا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ صِغَارِهَا وَتَعْلِيلُنَا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُخَافُ الْآنَ مِنْهَا الضَّرَرُ فَلِذَلِكَ مُنِعَ قَتْلُهَا وَأَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ ضَرَرُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِهَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَى هَذَا فِي صِغَارِ الْغِرْبَانِ وَالْحِدَإِ وَإِنْ عَلَّلْنَا لِذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى ابْتِدَاءُ ضَرَرِهِ الْيَوْمَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِقَتْلِ صِغَارِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِي قَتْلِهَا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا فِدْيَةَ فِي قَتْلِ صِغَارِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ غَيْرَهُمَا وَدَاهُ يُرِيدُ إنْ قَتَلَ غَيْرَ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرِ سِبَاعِهَا وَدَاهُ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهَا ابْتِدَاءً وَمَنْ قَتَلَهَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ عَدَتْ عَلَيْهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَحْشِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ فِي الطَّيْرِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ عَدَا عَلَيْهِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَقَتَلَهُ وَدَاهُ بِشَاةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا مِنْ أَصْبَغَ غَلَطَ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>