للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرُوا الْهَدْيَ وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ الْهَدْيُ» ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لِشَيْءٍ) .

ــ

[المنتقى]

تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] مَعْنَاهُ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا وَارِدًا فِي الْمَرَضِ فَلَا خِلَافَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ فِيمَنْ وَرَدَ فِيهِ وَسَطُهَا وَآخِرُهَا لِاتِّسَاقِ الْكَلَامِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَانْتِظَامِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَرُجُوعِ الْإِضْمَارِ فِي أَجْزَاءِ الْآيَةِ إلَى مَنْ خُوطِبَ فِي أَوَّلِهَا، فَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُدُولِ عَنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ يُرِيدُ حَيْثُ انْتَهَى سَفَرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْحَرُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ وَإِذَا كَانَ تَحَلُّلُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ فِي الْحِلِّ فَكَذَلِكَ نَحْرُ هَدْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي الرُّتْبَةِ عَلَى الْحِلَاقِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ عُمْرَتَهُ أَوْ حَجَّتَهُ الَّتِي تَحَلَّلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ تَحَلُّلَهُ مِنْهُمَا إذَا حُصِرَ عَنْ بُلُوغِ الْغَايَةِ مِنْهُمَا مُسْقِطٌ لِمَا وَجَبَ مِنْهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إتْمَامِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَتَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ أَرَادَهَا بِهَا وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَصْلُهُ الْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ» يُرِيدُ أَنَّهُ تَحَلَّلَ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَنَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ، ثُمَّ حَلَقَ بِهَا رَأْسَهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْقُوا مِنْ الْإِحْرَامِ شَيْئًا عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى إمَاطَةِ الْأَذَى وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ وَيَثْبُتُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ حَلُّوا الْحِلَّ كُلَّهُ وَخَرَجُوا عَنْ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ إلَى حُكْمِ التَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ يُرِيدُ أَنَّ إحْلَالَهُمْ كَانَ قَبْلَ وُصُولِ الْهَدْيِ مَحِلَّهُ وَهُوَ مَوْضِعُ نَحْرِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ مِنْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْيِينَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَأَنَّ تَحَلُّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ فَيَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الصَّدَّ إنَّمَا كَانَ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَوْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ لَمَا كَانَ مَحْصُورًا وَلَكَانَ نُسُكُهُ قَدْ كَمُلَ عَلَى وَجْهِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لِشَيْءٍ يُرِيدُ مَالِكٌ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَصَابَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ هَذَا فِي مَحْفِلٍ عَظِيمٍ وَعَدَدٍ كَثِيرٍ وَمَشْهَدٍ مَشْهُورٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إلَّا بِإِيجَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَالٌ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَلَا يَبْلُغُنَا مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَتَوَاتُرِ جَمْعِهِمْ وَتَحَدُّثِهِمْ بِمَا جَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>