للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى» قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ) .

ــ

[المنتقى]

لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْوَالِ لِشُهْرَةِ الْمَشْهَدِ وَسُؤَالِ التَّابِعِينَ لَهُمْ عَنْهُ وَقَدْ أَوْرَدُوا مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ مَا لَا تَبْلُغُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَبْلَغَهَا إلَى هَذَا صِفَةِ مَسِيرِهِمْ وَلِقَاءِ مَنْ لَقُوهُ وَمَا لَقِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صِفَةِ الْمَنْعِ وَأَسْمَاءِ الْوَارِدِينَ عَنْ قُرَيْشٍ وَنَصِّ أَلْفَاظِهِمْ وَمُرَاجَعَتِهِمْ وَجَوَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ فِيهِ وَعِدَّةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْحُكْمِ، مَعَ عَظِيمِ شَأْنِهِ وَشُمُولِ الْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ حُكْمِهِ وَامْتِثَالِهِ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا فَهَذَا كَانَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ فَإِذَا لَمْ يُنْقَلْ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ اهْتِبَالِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ أَحْكَامِهِ وَاهْتِمَامِ التَّابِعِينَ بِسُؤَالِهِمْ عَنْهَا وَنَقْلِهِمْ لَهَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَاءٍ وَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ صَحَّ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ.

وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ الْعَدَدَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَوْ لَزِمَ الْقَضَاءُ لَلَزِمَ جَمِيعَهُمْ وَلَوَجَبَ أَنْ يُلْقِيَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَمِيعِهِمْ إلْقَاءً شَائِعًا يَعُمُّهُمْ عِلْمُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ فِي مُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْنَا إمَّا بِطَرِيقِ تَوَاتُرٍ أَوْ طَرِيقِ آحَادٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا هَذَا مِنْ أَمْرِهِ مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ شُمُولِهِ وَعُمُومِهِ لَجَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا أَكْثَرُ غَزَوَاتِهِ وَمَشَاهِدِهِ وَمَقَامَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي أَكْثَرِهَا لَمْ يَبْلُغُوا هَذَا الْعَدَدَ الَّذِي لَزِمَهُمْ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَوَامِرِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا لَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا نَاقِلُهُ خَاصَّةً أَوْ سَمِعَهُ مَعَهُ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ إلَيْنَا مَا شَمِلَ جَمِيعَهُمْ عِلْمُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ،.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي حَالِ الْفِتْنَةِ يُرِيدُ فِتْنَةَ الْحَجَّاجِ وَنُزُولِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّهُ يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ وَيَرْجِعُ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ نُسُكُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا لَمَا دَخَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِفَوَاتِ النُّسُكِ وَإِبْطَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَتَيَقَّنْ نُزُولَ الْجَيْشِ بِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ أَحْرَمَ، وَإِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ يَتَّقِيهِ وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَإِنْ كَانَ تَيَقَّنَ نُزُولَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ صَدَّهُمْ لَهُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِزَالِ الطَّوَائِفِ وَتَرْكِ التَّلَبُّسِ بِالْفِتْنَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ تَيَقَّنَ الْعَدُوَّ الْمَانِعَ لَمَا جَازَ أَنْ يُحْرِمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ فَيَكُونُ كَالْقَاصِدِ لِغَيْرِ الْبَيْتِ بِنُسُكِهِ أَوْ مُلْتَزِمًا لِتَمَامِ النُّسُكِ وَمُطَّرِحًا لِلْإِحْلَالِ بِالْحَصْرِ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إتْمَامُ نُسُكِهِ وَلَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنْ يُصَدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِمْ مُحَارِبًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْعُمْرَةَ وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ تَمْنَعُ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ امْتَثَلَ نُسُكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْتِيَ مِنْ التَّحَلُّلِ دُونَ الْبَيْتِ إنْ صُدَّ عَنْهُ بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ وَلَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ لَمَّا خَافَ أَنْ يَكُونَ آكَدَ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي ذَلِكَ وَأَلَّا يَكُونَ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّحَلُّلِ مَا لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>