للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

مُقْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي أَمْرِهِ مِنْ الْحَالِّينَ عَلَى الْمَاءِ إنْ كَانَ يَحْضُرُ مَوْضِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَوَجَدَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُسْتَفْتَى وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ جَازَ أَنْ يُفْتِيَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ التَّدَاوِي لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَرَضِهِ) ذَلِكَ وَلِكَسْرِهِ مِنْ طَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَفْتَدِي إنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجَ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ خِرْقَةً فَإِنَّهُ يَرْبِطُهَا وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ يُحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَرَضُهُ يَدُومُ بِهِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَإِذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ لِفَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَفَوَاتِ كَثِيرٍ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةِ وَالْوُقُوفُ بِهَا وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِنُسُكٍ يَتَحَلَّلُ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْعُمْرَةُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعِهِ أَوْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَإِنْ أَرَادَ الْمَقَامُ بِمَوْضِعِهِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقَدُّمِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ مَعْنًى يُوجِبُ عَلَيْهِ التَّعَجُّلَ فَكَانَ لَهُ الِارْتِفَاقُ بِمَقَامِهِ فِي مَوْضِعِهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ إنْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُ فَيُقِيمَ عِنْدَهُمْ حَرَامًا حَتَّى يَقْوَى عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِذَا كَانُوا بَعِيدًا فَلْيَقُمْ بِمَوْضِعِهِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ طَرِيقَهُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْأَسْفَارِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَبَى الْمَقَامُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَحُجُّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِمَشَقَّةِ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَإِنْ أَبَى وَسَهُلَ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ اسْتِصْحَابُ الْإِحْرَامِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأَتَمَّ حَجَّهُ هَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يُهْدِي احْتِيَاطًا.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّحَلُّلِ الَّذِي قَبْلَ إكْمَالِ النُّسُكِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُتِمَّهُ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّبْرِ لِأَدَاءِ الْإِحْرَامِ عَامًا كَامِلًا لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْهَدْيَ فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا أَهْدَى خَالِصًا لِإِتْمَامِ الْعِبَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ تَدْخُلْ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ لِلْبَقَاءِ إلَى هَذَا الْعَامِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَ لَهُ لِلْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا فَاتَهُ كَانَ التَّحَلُّلُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي وَإِذَا دَخَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِدُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِهَا فَلَمَّا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَيْهَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِهِ الْآنَ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْعَامِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحَلُّلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْإِحْرَامِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا يَسْتَدِيمَ فِيهَا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ إذْ الْإِحْرَامُ بِهِ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَإِذَا اسْتَدَامَ الْإِحْرَامَ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مُدَّةِ كَرَاهِيَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَدَخَلَ فِي مُدَّةٍ تَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مَعَ قُرْبِ وَقْتِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ الْحَجِّ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ التَّحَلُّلَ لِمَشَقَّةِ اسْتِصْحَابِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَدْ زَالَتْ الْمَشَقَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يُشْرَعُ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

<<  <  ج: ص:  >  >>