للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إذَا قَضَى عُمْرَتَهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ كُسِرَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إذَا بَرَأَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُحِلُّ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) .

ــ

[المنتقى]

يَكُونَ الْمُحْرِمُ يُصِيبُهُ كَسْرٌ أَوْ انْطِلَاقُ بَطْنٍ أَوْ تَكُونَ امْرَأَةٌ حَامِلٌ تُطْلِقُ يُرِيدُ يُصِيبُهَا وَجَعُ النِّفَاسِ فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَرَفَةَ فَإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَكِّيِّ الَّذِي أَصَابَهُ هَذَا حُكْمُ أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أُحْصِرُوا عَنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا إحْصَارَ عَلَى الْمَكِّيِّ وَإِنْ نَعَشَ نَعْشًا قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى النَّعْشِ إلَى عَرَفَةَ وَغَيْرِهَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ هَذَا عَاجِزٌ عَنْ إتْمَامِ نُسُكِهِ وَفِعْلِ مَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ بِمَرَضٍ فَكَانَ مُحْصَرًا، أَصْلُ ذَلِكَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَالتَّمَكُّنُ فِي غَالِبِ الْحَالِ عِنْدَهُ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَبُلُوغِ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ الْمُؤَنَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعَادَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ هَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ يَكُونُ عَلَيْهِ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أُحْصِرُوا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ.

وَقَدْ رَوَى دَاوُد بْنُ سَعِيدٍ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فَقِيلَ لِمَالِكٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] فَطَرَحَ عَنْهُمْ هَدْيَ التَّمَتُّعِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَإِنْ {أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] فَالْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَحَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى التَّمَتُّعِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ أُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ يُرِيدُ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِهَا بِكَسْرٍ أَوْ أَمْرٍ يَمْنَعُهُ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَرَى أَنْ يُقِيمَ يُرِيدُ عَلَى إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا قَوِيَ وَاسْتَطَاعَ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ خَرَجَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ فَاتَهُ وَلَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ وَمِنْ شَرْطِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَهُوَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَجَمَعَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِيَأْتِيَ بِشَرْطِ الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ لِلْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ عُمْرَتِهِ الَّتِي يَتَحَلَّلُ بِهَا وَهِيَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ الْإِحْرَامِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ قَضَاءً عَنْ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِيهَا أَمْ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ لَمْ يَتِمَّ.

(ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وُرُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ وَلَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِمَا شَاءَ مِنْ الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَتَنَفَّلُ بِهِ بِإِثْرِ طَوَافِ تَنَفُّلٍ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَكُونَ بِإِثْرِ طَوَافٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا طَوَافَ فِي الْحَجِّ إلَّا طَوَافُ الْوُرُودِ أَوْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْحَاجِّ مِنْ مَكَّةَ طَوَافُ الْوُرُودِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَيَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>