للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَسَعْيَهُ إنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) .

مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ

ــ

[المنتقى]

فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ يَشْتَمِلُ عَلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ فَكَانَ حُكْمُهُ الْإِتْيَانَ بِهِمَا بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْعُمْرَةِ.

(فَرْعٌ) وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَقَدَّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فَقَدْ أَتَى بِالسَّعْيِ بِإِثْرِ طَوَافٍ لَمْ يُشْرَعْ لِلْحَجِّ بَلْ هُوَ طَوَافٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا فَعَلَهُ لِلْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُعِدْ السَّعْيَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَقِيبَ طَوَافٍ فَوُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْإِجْزَاءِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلنَّقْصِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ بِإِتْيَانِهِ عَقِيبَ طَوَافٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ لِلْحَجِّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ يُرِيدُ إنْ تَمَادَى بِهِ عُذْرُهُ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَطَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ وَلَمْ تَخْتَرِمْهُ مَنِيَّةٌ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَقَدْ حَلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ تَنْبِيهًا عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ بِالْحَجِّ وَيَنْوِي أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ لِحَجِّهِ مِنْ الْحِلِّ لَمَا احْتَاجَ الْآنَ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ الَّذِي أَتَى بِهِمَا لِلْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْصَرَ لَا يُجْزِئَانِهِ لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ، وَالْهَدْيُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَضَاءِ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِفَوَاتِهِ.

(ش) : قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ يُرِيدُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوُرُودِ فَيَطُوفُ لَهُ وَيَسْعَى بِإِثْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَخْلُو أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فِي تَأْخِيرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْحَرَمِ فَيَكُونُ لَهُ طَوَافُ الْوُرُودِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ فَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْوُرُودِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِلنُّسُكِ الَّذِي دَخَلَ بِهِ فَيَتَعَقَّبُ السَّعْيَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرِ التَّعْلِيل وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَدِمَ إلَى مَكَّةَ دُونَ مَنْ كَانَ بِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَدِمَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ أَنَّ عَلَيْهِ طَوَافَ الْوُرُودِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِمْ دُونَ أَهْلِ الْحَرَمِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِلْقِرَانِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَإِنَّمَا كَرَّرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَنْ طَافَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ وَسَعَى فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِعُمْرَتِهِ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا طَافَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ وَسَعَى طَوَافًا وَسَعْيًا غَيْرَ مَشْرُوعَيْنِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ مَشْرُوعَانِ فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِلْعُمْرَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِهِمَا جَمِيعًا لِعُمْرَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ أَتَى بِهِمَا لِحَجَّتِهِ فَلَا يُجْزِئَانِهِ لِعُمْرَتِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>