للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا غَرِمَهَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ» يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْعَهْدِ، وَالثَّانِيَةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْهَدْيِ فَيُخْبِرُهُ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْهَدَايَا لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ وَلِيُعَلِّمَهُمْ حُكْمَ جَمِيعِ الْهَدْيِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَانْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا» يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ تَفُتْ الذَّكَاةُ وَإِنَّمَا مَنَعَ بُلُوغَهَا مَحَلَّهَا فَأَمَرَهُ بِنَحْرِهَا وَهَذَا حُكْمُ مَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مِنْ التَّعَدِّي فِيهِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُلْقِيَ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، وَالْقَلَائِدُ هِيَ الَّتِي يُقَلَّدُ بِهَا عِنْدَ الْإِشْعَارِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ لَا يَسْتَبْقِيَ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَتَشَبَّثَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا وَلَا الْقَلَائِدِ عَلَى بِزَازَتِهَا وَقِلَّتِهَا وَأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَبْقِي الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهَا مِنْهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا مَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقَلَائِدُ لَا يَبْقَى فِيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَلَا هِيَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَقْلِيدَهَا لِهَدْيٍ آخَرَ؛ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِإِلْقَائِهَا فِي دَمِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْهَدْيِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَقَالَ: لِيَنْحَرْهُ مَكَانَهُ وَيُلْقِي قَلَائِدَهَا فِي دَمِهِ مِنْ سُنَّتِهِ وَحُكْمِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلْإِذْنِ لِلنَّاسِ فِي أَكْلِهَا، وَلِذَلِكَ كُلُّهُ وَجْهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إبْقَاءَ عَلَامَةِ الْهَدْيِ فِيهَا لِئَلَّا يَتَعَدَّى أَحَدٌ فَيَصْرِفَهَا عَنْ وَجْهِهَا بِبَيْعٍ أَوْ مَنْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ آخِرَ عَمَلِهِ فِيهَا نَحْرُهَا وَإِلْقَاءُ قَلَائِدِهَا فِي دَمِهَا وَأَنَّهُ لَا يَلِي تَفْرِيقَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمُتَوَلِّي مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَأْكُلُونَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَمِيعِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أُرْسِلَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ، ثُمَّ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَتَصَدَّقَ هَذَا بِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَرَاهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ أَحَدٌ عَنْ إذْنِهِ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِهِ غَيْرُهُ كَرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ بِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْهَدْيِ أَمَرَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ مَعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ يُرِيدُ امْتَنَعَتْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَحِلِّهَا وَمَحِلُّهَا مَوْضِعٌ يَجُوزُ فِيهَا نَحْرُهَا، وَذَلِكَ مَكَّةُ أَوْ مِنًى عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ بَلَغَ بِهَدْيِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا وَهُوَ يُرِيدُ عَرَفَةَ قَالَ يُجْزِئُهُ قِيلَ: فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ هَدْيٍ بَلَغَ بِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ أَوْ نُحِرَ بِهَا مِمَّا جَاءَ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ مُجْزِئٌ إلَّا هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا عَطِبَ بِهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْحِلُّ وَالْحَرَمُ.

وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ مَحِلَّهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَكَّةَ مَحِلٌّ لِنَحْرِ الْهَدْيِ وَأَمَّا هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْدَأُ أَمْرُهُ لِلْمُتَمَتِّعِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَ تَقْلِيدَهُ مِنْ مَكَّةَ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ قَلَّدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَشْعَرَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ وَسَهَّلَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَلَوْ عَطِبَ الْهَدْيُ بِمِنًى وَقَدْ مَرَّ بِمَكَّةَ أَوْ عَطِبَ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى؛ لِأَنَّ مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ كَغَيْرِهَا لَا يُجْزِئُ

<<  <  ج: ص:  >  >>