للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ الْجَزَاءِ وَالنُّسُكِ) .

ــ

[المنتقى]

كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ عَلَى أَصْلِهِ لَمَّا كَانَ نَذْرًا وَأَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الْأَوَّلَ تَحَقَّقَ لِلثَّانِي حُكْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ تَقْلِيدَهُ تِلْكَ الْعَيْنَ فَإِذَا ضَلَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِذِمَّتِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ أَبْدَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ نَحَرَهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَطَوَّعَ بِإِيجَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ أَنْ يُبَدِّلَ الْأَوَّلَ فَلَمَّا أَبْدَلَهُ كَانَ تَطَوُّعُهُ بِالثَّانِي كَتَطَوُّعِهِ بِالْأَوَّلِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ.

(فَرْعٌ) وَمَنْ ضَلَّتْ بَدَنَتُهُ بَعْدَمَا أَوْقَفَهَا بِعَرَفَةَ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ فَعَرَفَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ فَنَحَرَهَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي أَنْحَرُهَا عَنْ صَاحِبِهَا، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة تُجْزِئُهُ وَلَا أَرَى عَلَى الَّذِي نَحَرَهَا ضَمَانًا.

وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ وَجَدَ بِمِنًى بَدَنَةً يُرِيدُ مُقَلَّدَةً يُعَرِّفُهَا إلَى يَوْمِ ثَالِثِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهَا وَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لِلنَّحْرِ بِمِنًى وَهُوَ أَفْضَلُ النَّحْرِ وَلَوْ عَرَّفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَحْرُهَا إلَّا بِمَكَّةَ فَتَفُوتُهُ فَضِيلَةُ النَّحْرِ بِمِنًى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَمْ يَجِدْ بَدَنَتَهُ أَوْ بَدَنَةَ غَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا بِمَكَّةَ لِفَوَاتِ وَقْتِ النَّحْرِ بِمِنًى.

(ش) : قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ الْجَزَاءِ وَالنُّسُكِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَيُرِيدُ بِالْجَزَاءِ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالنُّسُكُ فِدْيَةُ الْأَذَى وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ هَدْيٍ بَلَغَ مَحِلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةً جَزَاءَ الصَّيْدِ وَفِدْيَةَ الْأَذَى وَمَا نُذِرَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُزَنِيَّة وَمِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْ الْفِدْيَةِ أَوْ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَهُوَ جَاهِلٌ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: يُؤْكَلُ مِنْهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْكَلُ مِنْ هَدْيِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَمَنَعَ الْأَكْلَ مِمَّا وَجَبَ بِحُكْمِ الْإِحْرَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: ٣٦] إلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٣٦] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ هَذَا هَدْيٌ وَجَبَ لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَلَمْ يُخَيَّرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ فَجَازَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ هَدْيُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى وَمَا نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٩٥] .

وَقَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٩٦] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّهُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَك» فَلَمَّا كَانَ بَدَلُهُ الَّذِي هُوَ الْإِطْعَامُ مُنْصَرِفًا إلَى الْمَسَاكِينِ فَكَذَلِكَ الْهَدْيُ مِنْهُ وَأَمَّا نَذْرُهُ لِلْمَسَاكِينِ فَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِالْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا نَذَرَهَا بَدَنَةً فَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا بِالنَّذْرِ كَإِيجَابِهَا بِالتَّقْلِيدِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ فِي التَّعْيِينِ إنْ كَانَتْ بَدَنَةُ النَّذْرِ غَيْرَ مُعَيَّنَةً، وَذَلِكَ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهَا بِالْمَسَاكِينِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَكَلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى بَعْدَ أَنْ بَلَغَا مَحِلَّهُمَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَ الْهَدْيِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرُ مَا أَكَلَ مِنْهُ.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يَأْكُلُ مِنْهُ.

وَوَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>