للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَبَعَثَ إلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَا فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا لِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً)

ــ

[المنتقى]

فَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهَا مِنْ مَالِهِ وَيَهْدِي عَنْهَا لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْهَدْيِ مِمَّا أَتْلَفَهُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ عَنْهَا وَأَمَّا مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْأَبَدَانِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا وَتَلْزَمُهَا فَلَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْهَا كَمَا لَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهَا لَكَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّهَا وَيَهْدِي عَنْهَا سَوَاءٌ أَكْرَهَهَا أَمْ لَا وَوَطْؤُهُ لَهَا إذْنٌ فِي حَجِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَا يَصُومُ عَنْهَا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا لَا تَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ وَهُوَ يَمْلِكُ تَصَرُّفَهَا فَإِذَا رَضِيَ بِوَطْئِهَا فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ سَعْيِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَصَرُّفَهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُمْ وَالْهَدْيُ الْهَدْيُ يَحْتَاجُ إلَى صِفَةٍ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ بَدَنَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُهُ شَاةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ وَطِئَ عَمْدًا فِي إحْرَامٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَدْيُهُ بَدَنَةً أَصْلُ ذَلِكَ إذَا وُطِئَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَلَا يَفْسُدُ عَلَيْهِ حَجُّهُ.

(فَرْعٌ)

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا عِنْدِي يَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ هَذَا عَنْ أَصْلِهِ قَالَ: وَهَذَا لَنَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ شَاةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ أَجْزَأَهُ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْهُ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِحْبَابِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُمَا مِنْ التَّسَرُّعِ إلَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْوَطْءِ مَا يُخَافُ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ تَسْلِيمُهُ مِنْ الْوَطْءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَفْتَرِقَانِ فِي حَجِّ الْقَضَاءِ مِنْ يَوْمِ يُحْرِمَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ أَفْسَدَا حَجَّهُمَا الْأَوَّلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مَرَّةٌ مِنْ الْإِحْرَامِ تَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فَيَلْزَمُهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا فِيهَا أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَاوَبَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عُمُومِهَا وَإِطْلَاقِهَا وَلَمْ يَسْأَلُوا السَّائِلَ هَلْ كَانَ الْوَطْءُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الْفَسَادِ وَالْهَدْيِ وَهَذَا مَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْوَطْءُ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَ كَالْعَمْدِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَبَعَثَ إلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَا فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا لِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً) .

(ش) : سُؤَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَصْحَابِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ يَقْصِدُ بِذَلِكَ اخْتِبَارَ أَصْحَابِهِ وَتَدْرِيبَهُمْ وَتَنْبِيهَهُمْ عَلَى الْمَسَائِلِ، وَسُكُوتُ الْقَوْمِ عَنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُمْ آثَرُوا تَعْظِيمَهُ وَالْمُبَالَغَةَ فِي بِرِّهِ وَصَرْفِ الْأَمْرِ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>