للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ قَالَ: فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا قَالَ: فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا: لَا يُصْلِحُنَا إلَّا هَذَا الشَّرَابُ فَقَالَ عُمَرُ: اشْرَبُوا الْعَسَلَ فَقَالُوا

ــ

[المنتقى]

تُكْسَرُ إنْ كَانَ لَا يَزُولُ مَا فِيهَا قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ إنَّمَا أَرَادَ الظُّرُوفَ تُشَقُّ وَتُكْسَرُ الْأَوَانِي وَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا يَزُولُ بِالْغَسْلِ عُقُوبَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى فِعْلِهِ وَإِمْسَاكِهِ الْخَمْرَ وَبَيْعِهِ لَهَا وَهَذَا الَّذِي أَرَادَهُ مَالِكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ قَالَ: يُفَرَّقُ ثَمَنُ مَا بَاعَ مِنْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ عُقُوبَةً لِلْمُسْلِمِ الَّذِي بَاعَهَا لِئَلَّا يَعُودَ ثَانِيَةً إلَى بَيْعِهَا.

(ش) : قَوْلُهُ كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَمَنْ مَعَهُ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا أَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ لِأَنَّ اسْمَ الشَّرَابِ قَدْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ: فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا كَانَ وَقْتَ تَحْرِيمِهَا وَنَسْخِ إبَاحَتِهَا لِمَكَانِ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْلَمُوا بِتَحْرِيمِهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُهَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ وَلَمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي: يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا امْتِثَالٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الَّذِي حَرَّمَهَا أَوْ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَمْرُ بِلَالٍ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ أَنَّ هَذَا مُسْنَدٌ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْهَى فِي الشَّرِيعَةِ غَيْرُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمْرُ أَبِي طَلْحَةَ أَنَسًا بِكَسْرِ الْجِرَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيخَ التَّمْرِ عِنْدَهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ لَمَا جَازَ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ الْمُبَاحِ عِنْدَهُ لِتَحْرِيمِ غَيْرِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ نَوْعٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْكِرُ خَمْرًا كَمَا لَمْ يَأْمُرْ حِينَئِذٍ بِكَسْرِ جِرَارٍ فِيهَا مَاءٌ وَلَا سَمْنٌ وَلَا زَيْتٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَائِعَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَلَمَا أَمَرَ بِكَسْرِ الْجِرَارِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَضِيخِ عِنْدَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَتَنَاوَلُ شَرَابَ الْفَضِيخِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَنَسٍ فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ الْمِهْرَاسُ حَجَرٌ كَبِيرٌ كَسَرَ أَنَسٌ بِهِ الْجِرَارَ بِأَمْرِ أَبِي طَلْحَةَ وَبِحَضْرَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى إرَاقَةِ مَا فِيهَا وَغَسْلِهَا وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَمَكُّنِ شَرَابِهَا مِنْهَا وَسِرَايَتِهِ فِي أَجْزَائِهَا وَمَسَامِّهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ غَسْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ عَنْهَا مَا تَشَبَّثَ مِنْ الْخَمْرِ بِهَا وَلَا يَبْقَى مِنْ الْخَمْرِ فِيهَا بَقِيَّةٌ.

وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجَرَّةِ إذَا طُبِخَ فِيهَا الْمَاءُ وَغُسِلَتْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِكَسْرِهَا لَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهَا وَتَنْظِيفُهَا مِنْ بَقَايَا الْخَمْرِ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَسَرَهَا لَمَّا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجِرَارِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يُرَاعَى فِي تَطْهِيرِهَا وَنَظَافَتِهَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ غَسْلِهَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّكْوَةِ لِلْخَمْرِ تُغْسَلُ أَخَافُ أَنْ لَا تَخْرُجَ رِيحُهَا مِنْ الرَّكْوَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعَى بَقَاءُ رَائِحَتِهَا فِي الْإِنَاءِ وَتَحْتَمِلُ مُرَاعَاةُ الرَّائِحَةِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَاعَى فِي تَغَيُّرِ الْمَائِعِ بِرَائِحَةِ النَّجِسِ وَكَوْنُ الرَّائِحَةِ فِيهَا بِمُجَاوَرَةٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ بِغَيْرِ الرَّائِحَةِ بِالْمُخَالَطَةِ وَالثَّانِي أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ فِي الْإِنَاءِ رُبَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالشَّارِبِ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالرَّائِحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>