للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ» وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨]

ــ

[المنتقى]

مَعْنَاهُ أَنْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا أَوْ يَكُونُوا قَدْ خَرَجُوا قَاصِدِينَ لَهَا مَعَ إرَادَةِ الْجِهَادِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ غَازِيًا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ نَافِعٍ الزُّرَقِيِّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَرُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ يُرِيدُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا وَرَبْطَهَا فِي الْغَالِبِ يَكُونُ لِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَحْوَالِ إمَّا لِمُجَرَّدِ الْأَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِمَّا لِلسِّتْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا لِيَكْتَسِبَ عَلَيْهَا وَإِمَّا لِلْوِزْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَارْتِبَاطُ الْخَيْلِ وَرَبْطُهَا هُوَ اقْتِنَاؤُهَا وَأَصْلُهُ مِنْ الرَّبْطِ بِالْحَبْلِ وَالْمِقْوَدِ وَلَمَّا كَانَتْ الْخَيْلُ لَا تُسْتَبَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ كُلُّ مَنْ اقْتَنَى فَرَسًا رَبَطَهُ وَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى سَمَّوْا اقْتِنَاءَهَا وَاِتِّخَاذَهَا رَبْطًا فَمَعْنَى رَبْطِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إعْدَادُهَا لِهَذَا الْوَجْهِ وَاِتِّخَاذُهَا بِسَبَبِهِ وَهُوَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ يُثَابُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فِي حَالِ مَقَامِهِ دُونَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجِهَادِ وَغَزْوِ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِعْدَادِ لَهُ وَالْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ فَإِذَا غَزَا بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ وَأَجْرُ الِاتِّخَاذِ وَالرِّبَاطِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

الرِّبَاطُ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: رِبَاطُ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] الْآيَةُ وَرِبَاطُ الْخَيْلِ يَكُونُ اتِّخَاذَهَا فِي مَوْطِنِ الْمُتَّخِذِ لَهَا وَغَيْرِ مَوْطِنِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الثَّغْرِ وَقُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي مُعْظَمِ الْإِسْلَامِ وَبِالْبُعْدِ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ إعْدَادِ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفِيرُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْغَزْوِ وَلَا يَجِدُ مِنْ الْمُهْلَةِ مَا يَتَّخِذُ فِيهِ الْخَيْلَ وَلِأَنَّ الْغَازِيَ بِهَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهَا وَتَأْدِيبِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَتِمُّ لَهُ مُرَادُهُ مِنْهَا إلَّا بِاِتِّخَاذِهَا قَبْلَ الْغَزْوِ بِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الرِّبَاطِ هُوَ رِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ الثُّغُورِ وَيُكْثِرُ سَوَادَهَا وَالْإِرْهَابَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: ٢٠٠] وَمَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَرِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ هُوَ أَنْ يَتْرُكَ وَطَنَهُ وَيَلْزَمَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ الْمَخُوفَةِ لِمَعْنَى الْحِفْظِ وَتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ وَطَنُهُ الثَّغْرَ فَلَيْسَتْ إقَامَتُهُ بِهِ رِبَاطًا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ وَيُقِيمَ لِهَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً فَإِنْ أَقَامَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفَاتِهِ فَلَمْ يَرْبِطْ نَفْسَهُ لِمُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>