للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

كَذَلِكَ رِبَاطُ الْخَيْلِ فَإِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يَسْتَغْنِي عَنْ اتِّخَاذِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اخْتَارَ الْمَقَامَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالثَّغْرِ وَمَوْضِعِ الْخَوْفِ لِلرِّبَاطِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَمْكَنَهُ الْمَقَامُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ حُكْمُ الرِّبَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا كَانَ الثَّغْرُ رِبَاطًا لِمَوْضِعِ الْخَوْفِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْمَخَافَةُ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بَعُدَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ فَإِنَّ حُكْمَ الرِّبَاطِ يَزُولُ عَنْهُمْ.

وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيَجْعَلُهُ فِي جُدَّةٍ قَالَ: لَا قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَا خَوْفٌ قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَرِبَاطُ الْخَيْلِ وَالنَّفْسِ مِنْ عِدَّةِ الْجِهَادِ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ: أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك الرِّبَاطُ أَمْ الْغَارَاتُ فِي الْعَدُوِّ؟ قَالَ أَمَّا الْغَارَاتُ فَلَا أَدْرِي كَأَنَّهُ كَرِهَهَا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى الْإِصَابَةِ يُرِيدُ السُّنَّةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ الْغَارَاتِ لَمَّا كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهَا مَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَرُبَّمَا غَلُّوا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُوَ الْغَزْوُ عَلَى الْإِصَابَةِ لِلْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَا يَغُلَّ وَيُطِيعُ الْأَمِيرَ فِي الْحَقِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الرِّبَاطِ دُخُولَ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَإِهَانَتِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّبَاطَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ حِينَ دَخَلَ فِي الْجِهَادِ مَا دَخَلَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ بِثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ قَدْ اشْتَدَّ حَتَّى خِيفَ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَاسْتُنْفِرُوا لِإِدْرَاكِ ذَلِكَ الثَّغْرِ فَإِنَّ قَصْدَ ذَلِكَ الثَّغْرِ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ حَقْنَ دِمَاءِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ لِلرِّبَاطِ فِيهِ لَا لِعَدُوٍّ يَتَرَقَّبُ نُزُولَهُ وَيَتْرُكُ الْغَزْوَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ لِأَنَّ دُخُولَهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ نِكَايَةٌ فِيهِمْ وَإِهَانَةٌ لَهُمْ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ حِفْظٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ نِكَايَةَ الْعَدُوِّ تُضْعِفُهُمْ عَنْ غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا غَزَا قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلَّا ذَلُّوا.

(فَصْلٌ) :

«وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَذَكَرَ أَنَّهُ الرَّبْطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ثُمَّ وَصَفَ أَنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفِهَا أَجْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزْوٌ فَإِنْ أَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ لِلرَّعْيِ فَإِنَّ مَا أَصَابَتْ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٍ وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ تَصَرُّفَ هَذِهِ الْخَيْلِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يَكُونُ حَسَنَاتٍ لَهُ وَلِذَلِكَ وَصَفَ أَوَّلًا مَا كَانَ بِسَبَبِهِ مِنْ الْإِطَالَةِ لَهَا فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَمِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِنْ قَطْعِ الطِّيَلِ وَهُوَ مَا أَطَالَ لَهَا فِيهِ مِنْ الْحَبْلِ، وَاسْتِنَانُ الشَّرَفِ هُوَ الْجَرْيُ إلَى مَا يَعْلُو مِنْ الْأَرْضِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الشَّرَفَ وَالطَّلَقَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهَا عَلَى هَذَا جَرْيُهَا طَلِقًا أَوْ طَلِقَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ فِعْلَهُ مِنْ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِيدَ سَقْيَهَا وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَسَنَاتٍ لَهُ مِنْ رَبْطِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَسْتَوْعِبَ أَنْوَاعَ تَصَرُّفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا يُرِيدُ أَنَّهُ رَبَطَهَا لِيَسْتَغْنِيَ بِهَا وَيَعِفَّ عَنْ السُّؤَالِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ فِيهَا لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا لِهَذَا الْوَجْهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَإِنْ ضَيَّعَ حُقُوقَ اللَّهِ فِيهَا لَمْ تُوصَفْ بِأَنَّهَا سِتْرٌ لَهُ خَاصَّةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَآثِمِ وَالْوِزْرِ بِسَبَبِهَا وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْثَمْ بِاِتِّخَاذِهَا لِأَنَّهُ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا وَالْحُقُوقُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِرِقَابِهَا أَنْ تُؤَدَّى مِنْهَا الْحُقُوقُ إذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا بِاخْتِصَاصِهَا بِهَا أَوْ لِضِيقِ ذِمَّتِهِ عَنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>