للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بِتَرْكِهِمْ الْآذَانَ وَانْتِقَالِهِمْ عَنْهُ بِالْآذَانِ قَبْلَ أَنْ يُنْذَرُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الرِّفْقَ بِأَصْحَابِهِ لِيَقِيَهُمْ بِذَلِكَ حَرَّ الشَّمْسِ وَوَهَجَ الْحَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَانَ إذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِوَقْتِ إغَارَةٍ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْحُصُونِ وَالْقُرَى لِأَنَّ مَنْ خَشَى أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِ يَبِيتُ فِيهَا فَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَانْتَشَرَتْ الْعُمَّالُ وَسَائِرُ النَّاسِ الْمُتَصَرِّفِينَ أَغَارَ حِينَئِذٍ لِيَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَثَبُّتًا فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا عِنْدَ الصَّبَاحِ أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا وَقَدْ رَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «اُنْفُذْ عَلَى رِسْلِك حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ يَكُونَ لَك حُمُرُ النَّعَمِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دُعَائِهِمْ وَعَلِمَ مِنْ عِنَادِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُدْعَى الْعَدُوُّ قَبْلَ الْقِتَالِ؛ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ إلَّا أَنْ يُعَجِّلُوا سَوَاءٌ قَرِبُوا أَوْ بَعُدُوا وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَبِيتُوا حَتَّى يَدْعُوا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُدْعَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الدَّرْبِ مِثْلُ طَرَسُوسَ وَالْمَصِّيصَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إنَّمَا الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ وَلَا يَعْلَمُ مَا يُقَاتِلُ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ الْإِسْلَامُ وَعَلِمَ مَا يُدْعَى إلَيْهِ وَحَارَبَ وَحُورِبَ كَالرُّومِ وَالْإِفْرِنْجِ مِمَّنْ دَانَى أَرْضَ الْإِسْلَامِ وَعَرَفَهُ فَالدَّعْوَةُ فِيهِمْ سَاقِطَةٌ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَيَجِبُ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِمْ وَيُنْتَهَزَ فِيهِمْ الْفُرْصَةُ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَقْتُلُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُنْفُذْ عَلَى رِسْلِك حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ» .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: «عَلَى رِسْلِك ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» وَهَذَا نَصٌّ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ فَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُ هَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ فَيَهْتَدُونَ وَأَمَّا قِتَالُهُمْ حَتَّى يُبَيِّنُوا الْإِسْلَامَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ لَهُمْ مَعَ أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ تَنْجَلِي عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ دُونَ اهْتِدَاءٍ وَأَمَّا الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ فَهِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الِاهْتِدَاءَ وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ مُتَرَقَّبٌ وَمَرْجُوٌّ فِي وَقْتٍ مِمَّنْ قَدْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَمِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَقَدْ يُسْلِمُ الْيَوْمَ مَنْ أَبَى الْإِسْلَامَ أَعْوَامًا جَمَّةً فَلَزِمَ أَنْ يُذَكَّرَ بِالدَّعْوَةِ وَتُعَادَ عَلَيْهِ عَسَى أَنْ يَئُوبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَتَكَرَّرَتْ عَلَيْهِ وَعَلِمَ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَزِيدُ إعَادَتُهَا عَلَيْهِ مَعْرِفَةً بِمَا لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ التَّحَذُّرُ لَهُ عَنْ النِّكَايَةِ فِيهِ وَذَلِكَ يُوهِنُ حَرْبَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَبْلُغْهُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا عَرَفَ مُقْتَضَاهَا فَيَلْزَمُ أَنْ تُعَادَ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ وَيَتَبَيَّنَ إلَيْهِ مَا يُدْعَى إلَيْهِ وَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحُجَّتِهِ.

(فَرْعٌ) وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّ الدَّعْوَةَ تَبْلُغُهُ قُوتِلُوا بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَقَتَلُوا وَغَنِمُوا فَذَلِكَ مَاضٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رَدُّهُ وَقَدْ أَسَاءُوا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَالَهُمْ مِنْ الْكُفْرِ يَحْكُمُ بِإِمْضَاءِ قَتْلِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ رَجَاءَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>