للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الصَّدَقَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ عِنْدِي ذَكَرَ الْمَهْرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا النِّكَاحَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ الْمُغِيرَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْقَائِمِ «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» .

وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهُ إيَّاهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إطْلَاقُهُ عَقْدَ تَمْلِيكٍ مُؤَبَّدٍ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ النِّكَاحُ كَلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ» دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ الَّتِي قَدْ أَجَابَتْ إلَى النِّكَاحِ بِاسْتِئْذَانِ الَّذِي أَجَابَتْهُ وَأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ النَّاكِحِ فَإِذَا اُسْتُؤْذِنَ فِي الْخِطْبَةِ وَصُرِفَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النِّكَاحَ مُبَاحٌ لِلْفَقِيرِ إذَا وَجَدَ الْمَهْرَ، وَالنِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْمَهْرِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ مَعَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ» مَعَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرَى عَنْ صَدَاقٍ وَقَوْلُهُ «وَمَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي» إظْهَارٌ لِفَقْرِهِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ» لَك يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصْدُقَهَا إيَّاهُ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْإِزَارِ إلَيْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْبَقَاءِ عَلَى حَالَةٍ لَا يَجُوزُ بِهَا الْبَقَاءُ عَلَيْهَا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّعَرِّي عَنْ جَمِيعِ الْمَلْبَسِ وَلِذَلِكَ لَا يُبَاعُ هَذَا مِنْ الثِّيَابِ فِي دَيْنٍ وَلَا يُقْضَى بِهِ حَقٌّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ شَيْئًا» وَقَوْلُ الرَّجُلِ «مَا أَجِدُ شَيْئًا» وَإِنْ كَانَتْ لَفْظَةُ شَيْءٍ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُمْهَرَ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ؟» فَكَأَنَّهُ قَالَ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُقَهَا إيَّاهُ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا أَجِدُ شَيْئًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نَوَاةِ تَمْرَةٍ وَقَتَّةِ حَشِيشٍ وَحُزْمَةِ حَطَبٍ يَحْتَطِبُهُ وَأَنْوَاعِ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بِالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَالْجِرَارِ الْمُخَرَّقَةِ وَبِمَا لَا يَكُونُ عِوَضًا فِي الْغَالِبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ لَفْظَةَ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَوْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ بِقِشْرِ الْبَيْضِ وَالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ قَالُوا أَنَّ مَعْنَاهُ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الصِّفَةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْمِقْدَارِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَمَّا «قَالَ لَا أَجِدُ شَيْئًا» قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنَّمَا يُكَلِّفُهُ أَوَّلًا الْأَكْثَرَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ أَرْخَصَ عَنْهُ فِي الْأَقَلِّ وَمُحَالٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْقَلِيلَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَلَّفَهُ الْكَثِيرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ» شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ قِيمَةِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ مَا أَجِدُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَعْنِي إنْ لَمْ يَجِدْ الشَّيْءَ الَّذِي كُلِّفَ الْتِمَاسَهُ فَلَوْ كُلِّفَ الْتِمَاسَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَنَفَاهُ لَمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْتَمِسْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى أَنْ يَجِدَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فَلَمَّا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَلْتَمِسَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَى بِالشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>