للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ

ــ

[المنتقى]

فِي قَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَطْلُوبِ.

(فَصْلٌ) :

وَمُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ فِي الْحِينِ تَقْتَضِي أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَعْجِيلَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا مِنْهُ وَلَوْ شُرِعَ تَأْخِيرُ جَمِيعِهِ لَسَأَلَهُ هَلْ يَرْجُو أَنْ يَتَكَسَّبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ الْخَاتَمِ مِنْ الْحَدِيدِ بَلْ الْغَالِبُ تَجْوِيزُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَكَانَ يَقُولُ لَهُ زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا هَذَا فِي ذِمَّتِك وَيَضْرِبُ لِذَلِكَ أَجَلًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَكَسُّبُهُ لِهَذَا وَلَمَّا نَقَلَهُ عَنْ وُجُودِ الْمَهْرِ إلَى الْمَنَافِعِ دُونَ وَاسِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَذَكَرَ لَهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَدِمَ الْأَعْيَانَ عَدَلَ إلَى سُؤَالِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ لِيُصْدِقَ ذَلِكَ امْرَأَتَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَطْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِقْدَارًا مَا مِنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَاقَهَا وَهَذَا إبَاحَةُ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاحْتَجَّ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ.

وَقَدْ رَوَى زَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

وَقَدْ رَوَى عَقِيلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِزَارَ وَالْخَاتَمَ «وَقَالَ مَا تَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك» وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعْنَاهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَأَنَّ هَذَا خَاصٌّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت يَحْيَى بْنَ يَحْيَى عَنْ مَنْ نَكَحَ بِقُرْآنٍ يُقْرِءُوهُ لَمْ يَنْقُدْ غَيْرَهُ فَقَالَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا مَعَ الْعَدَمِ فَلَا وَلَعَلَّهُ قَدْ جَعَلَ هَذَا الْمُعَجَّلَ مِنْ مَهْرِهَا لِئَلَّا يَكُونَ الْبِنَاءُ قَبْلَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَأَبْقَى بَاقِي الْمَهْرَ فِي ذِمَّتِهِ.

وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فَمَنْ نَكَحَ بِعَمَلِ سَنَةٍ أَكْرَهُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَإِنْ نَزَلَ مَضَى فِي الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ جَعْلَ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا دُونَ مَنَافِعِ الْحُرِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: ٢٧] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ.

وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَرْكِ الِاسْتِئْمَارِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مُبَاحَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْبِضْعِ كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ جَعْلًا وَلَا كِرَاءً وَلِمَنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرُ مِثْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا ذَكَرَ مِنْ نِكَاحِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْأَحْكَامُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَهْرًا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْجَعْلُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَقْدَ الْجَعْلِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَقْدَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>