للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الزِّنَى فَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) .

ــ

[المنتقى]

الْمُتَزَوَّجَةَ أَوَّلًا وَهَذَا أَيْضًا قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْأُمِّ بِالْعَقْدِ عَلَى ابْنَةِ ابْنَتِهَا فَلَا يَزِيدُهُ عَقْدُهُ عَلَى ابْنَتِهَا وَبِنَاؤُهُ بِهَا إلَّا تَأْكِيدَ التَّحْرِيمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَبِ مِنْ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَفِي حَقِّ الِابْنِ مِمَّا لِلْأَبِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ مُؤَثِّرَانِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَمِنْهَا الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ فَأَمَّا الْعَقْدُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ فَأَمَّا الْمُبَاحُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فَإِذَا عَقَدَ الرَّجُلُ عَقْدَ نِكَاحٍ مُبَاحٍ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ وَأَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَالرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي تَحْرِيمِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَمَا نَكَحَ الْآبَاءُ مِنْ النِّسَاءِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْعَقْدُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَنْ عَقَدَ نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ ثُمَّ فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ الَّذِي سَمَّى مَهْرًا وَالنِّكَاحُ بِالصَّدَاقِ الْمَجْهُولِ أَوْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى أَوْ إلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ النِّكَاحُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى أَبِي الزَّوْجِ وَابْنِهِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُحَرَّمًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ كَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ وَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ الْأُخْتِ عَلَى الْأُخْتِ وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَنِكَاحِ التَّحْلِيلِ وَنِكَاحِ السِّرِّ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ لَا تُحَرَّمُ عَلَى أَبِي الزَّوْجِ وَلَا عَلَى ابْنِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فِي حُكْمِ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ زِنًا فَأَمَّا الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ تَزْوِيجَ الْأُمِّ عَلَى ابْنَتِهَا حَرَامٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ أَصَابَ الْأُمَّ فِيهِ تَحْرُمُ الْبِنْتُ.

(فَرْعٌ) وَالِالْتِذَاذُ بِالْمَرْأَةِ يَجْرِي فِي التَّحْرِيمِ مَجْرَى الْمَسِيسِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الرَّبَائِبَ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرِّمَ حَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ وَحَلَائِلَ الْآبَاءِ كَالْوَطْءِ.

(ش) : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْوَطْءُ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِابْنَتِهَا أَنَّهُ يُفَارِقُ امْرَأَتَهُ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ عِنْدِي إذْ زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ لَمْ يَنْبَغِ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّنَى فِي جُمْلَةِ مَا وَقَعَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَقَّتُ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ كَاللِّوَاطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَقَّتِ الْعِدَّةَ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ الْحُرْمَةَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَلَمْ تَثْبُتْ بِالزِّنَى كَالْإِحْصَانِ وَالنَّفَقَةِ وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَصِيغَةُ النِّكَاحِ فِي الْوَطْءِ مَوْضُوعٌ لِلْوَطْءِ فَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي لِعُمُومِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ وَطِئَهَا الْأَبُ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ وَطْئِهَا ابْنُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ هَذَا بِالْوَطْءِ الصَّحِيحِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي فَسَادِ الصَّوْمِ كَمَا لَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>