للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِكَاحُ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهٍ مِمَّا يُكْرَهُ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا أَنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إنْ شَاءَ

ــ

[المنتقى]

اعْتِبَارُهُ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَقَّتِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَجَوَابُ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْلَ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَاللِّوَاطَ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ، وَلَا يَنْشُرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُرْمَةَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى يُرِيدُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إلَى الزَّوْجَاتِ دُونَ مَنْ يُصَابُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ أُنْثَى وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ النِّسَاءِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ لَحُرِّمَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا بِنْتٌ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ جَارٍ عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ تَقْتَضِي كَوْنَهَا زَوْجَةً لَهُ فَإِذَا قَالَ إنْسَانٌ هَذِهِ مِنْ نِسَاءِ فُلَانٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذِهِ امْرَأَةُ فُلَانٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢] وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَزْوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] تَحْرِيمُ أُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى يُرِيدُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ذِكْرُ التَّحْرِيمِ وَيَحْتَاجُ فِي إبَاحَتِهِ إلَى زِيَادَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ التَّحْرِيمُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ حَتَّى تُوجَدَ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ الْآيَةِ بِمَا يُحَرِّمُهُ أَوْ يُبِيحُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالْآيَةِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ عَلَى أُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَالِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْوَطْءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ وَوَطْءُ شُبْهَةٍ فَأَمَّا الْمُبَاحُ وَالْمُحَرَّمُ فَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا وَطْءُ الشُّبْهَةِ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ ابْنَتَهُ فِي اللَّيْلِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ لَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ.

١ -

(فَرْعٌ) إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَطْءَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ فِيمَنْ مَرَّ بِيَدِهِ عَلَى فَخْذِ ابْنَتِهِ يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ دَخَلَهُ الْخِلَافُ فِيمَنْ زَنَى بِخَتَنَتِهِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَتْ الْمَلْمُوسَةُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ، وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ شَبْلُونٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّائِيُّ يَقُولُونَ لَا يَقَعُ بِهَذَا تَحْرِيمٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَقَدَ التَّزْوِيجَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ الْمُبَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ قَصَدَ بِهِ النِّكَاحَ فَإِنَّ إصَابَةَ الزَّوْجَةِ فِيهِ تَنْشُرُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا تَنْشُرُ الْإِصَابَةُ مِنْ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكُلُّ وَطْءٍ حَرَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ بِنِكَاحِ شُبْهَةٍ أَوْ جَهَالَةٍ فَالْحَدُّ فِيهِ سَاقِطٌ وَالْوَلَدُ فِيهِ لَاحِقٌ وَمَا كَانَ يَتَعَمَّدُ بِغَيْرِ وَجْهِ شُبْهَةِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكَ فَالْحَدُّ فِيهِ وَاقِعٌ وَالْوَلَدُ سَاقِطٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَتَزَوَّجَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَعْقِدُهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>