للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حِرَاء فَيَتَحَنَّثُ فيه -وهو التعبد (١) - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: "قلت: ما أنا بقارئ" (٢) قال: "فأخذني فَغَطَّني (٣) حتى بلغ مني الجَهْدُ، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارى، فأخذني فَغَطَّنِي الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فَغَطَّنِي الثالثة.

ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: ١ - ٣]، فرجع بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَرجُفُ فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد -رضي اللَّه عنها- فقال: "زَمِّلُوني، زملوني"، فزملوه (٤) حتى ذهب عنه الرَّوْعُ، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: "لقد خَشِيتُ على نفسي" (٥).


(١) (فيتحنث فيه - وهو التعبد): يتحنث بمعنى يتحنَّف؛ أي: يتبع الحنيفية، وهي دين إبراهيم، أو التحنث: إلقاء الحِنْث وهو الإثم، كما قيل: يتأثم ويتحرَّج ونحوهما.
وقوله: (وهو التعبد) هو مدرج من كلام الزهري وتفسيره.
(٢) (ما أنا بقارئ) قيل: إن (ما) هنا نافية؛ أي: ما أُخسِنُ القراءة، فلما قال ذلك ثلاثًا قيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ أي: لا تقرؤه بقوتك ومعرفتك، ولكن بحول ربك وإعانته، فهو يعلمك كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلَّم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أُمِّيَّة، وقيل: إن (ما) هنا استفهامية، واللَّه أعلم.
(٣) (فغطني): أراد ضمني وعصرني، والغط: حبس النَّفَس، أو أراد غمني.
(٤) (فزملوه)؛ أي: لَفُّوه.
(٥) (لقد خشيت على نفسي)؛ أي: من الموت من شدة الرعب، أو من المرض، أو من دوام المرض، وقيل غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>