فلمَّا أمره النبيُّ ﷺ بدفعها إلى طالبها إذا عَرَفَ عفاصها ووكاءها، وجب على الملتقط دفعها إليه وإن لم تكن للطالب بينةٌ على ذلك.
فإن قيل: إنَّ الطالب قد يجوز أن يكون غير الذي يَعْرِفُها، فليس يجوز للملتقط أن يدفعها إليه بغير بيِّنةٍ (١).
قيل له: قد جعل النبيُّ ﷺ بينة الطالب ما يذكره من العفاص والوكاء، وأَمَرَ الملتقط أن يدفعها إليه إذا ذكر ذلك، والبيِّنات فتختلف على حسب الأحوال المشهود عليها.
ألا ترى: أَنَّهَا تجوز في مواضع الضرورة ما لا يجوز في غير الضرورة، من ذلك: شهادة النساء منفرداتٍ، تجوز فيما لا يطلع الرجال عليه؛ للضرورة إلى ذلك؛ لأنّه لا يحضره الرجال.
فكذلك جعل العفاص والوكاء بيِّنَةً في دفع المال إلى الطالب؛ لأنَّ إقامة البيّنة على سقوط ماله يتعذر ويشق، ولو جُعِلَ ذلك، لأدى ذلك إلى ترك انتفاعه بماله؛ لأنّه لا يقدر أن يحرّكه ويغيّر شده، ولو فعل ذلك، لاحتاج أن يشهد عليه ثانيةً، وهو قولٌ بَيِّنُ الفساد؛ لأنّه يؤدِّي إلى ترك انتفاع النّاس بأموالهم؛ ولأنَّ الذي في يده اللقطة لمّا كان لا يدَّعيها لنفسه وليس مدَّعى عليه لعينه.
ألا ترى: أنّه لا يحلف إذا لم تكن للمعتَرِفِ المطالِبِ بيِّنةٌ، فكذلك لا يكلف الطالب البيِّنة؛ لأنَّ البيِّنة تلزم المدَّعي حيث تلزم المدَّعى عليه اليمين.
فإن قيل: لو كانت العلَّة ما ذكرت: «تعذّر الإشهاد في حال سقوط المال،