والدليل على أنّه ليس عليها أن ترضعهم بعد الطلاق بأجرةٍ (١) كما عليها ذلك قبل الطلاق، قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق:٦]، وقال جل اسمه: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق:٦]، وذلك بعد الطلاق، فعُلِم بهذا أنّه ليس عليها أن ترضعهم بعد الطلاق بغير أجرةٍ، إلّا أن يكون أبوهم ممن لا يقدر على أجرة الرضاع، ولا مال للولد، فعليها أن ترضعهم على طريق الإعانة لهم؛ لأنّه لا يجوز لها أن تفعل ما يؤدِّي إلى تلفهم، كما لا يجوز ذلك للمسلمين جملةً أن يفعلوه بمن احتاج إليهم.
وقوله:«إنه ينفق على امرأته حسب ما تحتاج إليه، وعلى قدر حالها من الغنى واليسر»؛ فلأنه على ذلك دخل، فعليه أن يقيم بكفايتها أو يطلقها إن لم يقدر على ذلك.
وليس له أن ينتقصها من قدر كفايتها؛ لأنَّ ذلك يضر بها، كما ليس له أن ينتقص غيرها من مقدار قوتها وما يصلحها؛ لأنَّ كفاية كلّ إنسانٍ على حسب حاله، وقد قال الله تعالى: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة:٢٣٦]، وقال جَلَّ وَعَزَّ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق:٧]، وقال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:١٩]، وليس من المعروف أن يكلفها ما لم تجر عادتها به، ولا أن يقطعها عما دخلت عليه من النفقة على قدر حالها، كما لو دخلت على أنّه لا يقدر على النفقة عليها على حسب حالها، أو لم يقدر على الوطء أو أشباه ذلك، لم يكن لها أن تطالبه بأكثر مما دخلت عليه.
وقوله:«وينفق على جاريتها»؛ فلأنَّ عليه أن يُخدِمها إذا كانت لا تخدم
(١) قوله: «بأجرةٍ»، كذا في شب، ولعلها: «بغير أجرةٍ».