للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قيل له: إِنَّمَا قلنا ذلك؛ لأنَّ للآباء أن يؤدِّبوا أبناءَهم، ومع ذلك، فليس الأغلب منهم إرادة قتل أولادهم، بل الأغلب منهم الشَّفَقَة عليهم والرأفة، وليس كذلك الأجنبيُّ؛ لأنَّهُ ليس له أن يؤدب أجنبياً منه، وليس فيه الشّفقة عليه كشفقة الأب على ابنه، فإذا أمكننا حمل أمر الأب على ما هو عليه في الأصل، حملناه على ذلك؛ لأنَّ ذلك للأغلب والأقوى، فإذا زال ذلك بتعمّده لقتله، زال ما كان عليه من الأصل ووجب قتله، لعموم قوله ﷿: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة:٤٥].

وقد روى مالكٌ والليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب: «أَنَّ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ المُدْلِجِيّ أَتَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ يُدْعَى قَتَادَةُ، حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ مِنْهَا فَمَاتَ، فَجَاءَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ سُرَاقَةُ: إِنْ كُنْتَ وَلِيَّ أَمْرِنَا فَأَقْبِلْ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ إِلَى غَيْرِكِ فَرُدَّنَا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَصَّ القِصَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْدُدْ لِي عَلَى قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِئَةَ بَعِيرٍ، فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ، أَخَذَ مِنْهُ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو المَقْتُولِ؟، فَقَالَ لَهُ: خُذْهَا، ثمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ قَالَ: لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» (١).

وقد رُوِيَ عن عمر من غير هذا الحديث: «أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ، وَإِنّما أَرَادَ أَدَبَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَعَزّ النّاسِ عَلَيْهِ، فَأَلْزَمَهُ


(١) حديث مالك في الموطأ [٥/ ١٢٧٣]، وابن ماجه [٣/ ٦٦٢]، وهو في التحفة [١١/ ١٩٦]، ولم أقف على حديث الليث بن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>