للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• إنَّما قال: «إنَّه لا يُكَلَّم أهل الأهواء والبدع على وجه الجدال والنَّظر»؛ لأنَّهُ يُكره له أن يزيلوه عن الحقِّ الَّذِي يعتقده ويقدحوا له شكّاً فيما هو عليه من الصّواب والسّلامة واتِّباع الحق، لا سيما إذا كان المُكِلِّمُ لهم غير عالمٍ بالكلام، ومعرفة الدَّليل العقلي والسّمعي، والعلم بأصول ذلك، فاستحب له مالكٌ ترك كلامهم على وجه الجدال.

فأمَّا على وجه النَّصيحة لهم والغلظة، فَإِنَّهُ يجوز ذلك؛ لجواز أن يتركوا ما هم عليه.

فأمَّا كراهته لكلامهم في غير الجدال أيضاً، والسَّلامِ عليهم، وعيادتهم إذا مَرِضُوا، وتزويجهم والتّزويج إليهم، فإنّهم لَمَّا كانوا على غير حقٍّ في دينهم، وجب مباينتهم، كما وجب مباينة أهل المعاصي والظُّلم، وقد قال الله ﷿: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة:٢٢]، وقال تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [النساء:١٤٠]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود:١١٣]، فوجب لِمَا ذكرنا مجانبة أهل المعاصي والبدع والزّيغ؛ لفعلهم ما لا يجوز، واعتقادهم غير الحقِّ.

ويكره لمخالفة أهل الحق لهم أن يُنْسَبُوا إليهم، وقد قال الأعمش: «اجتمع رأي التّابعين، أن لا يسألوا عن المرء بعد أن ينظروا من يخادن» (١)، وقد رُوِيَ عن


(١) أخرجه ابن بطة في الإبانة [٢/ ٤٥٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>