للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنَّ الله جلَّ ثناؤه لَمَّا قال: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾، وكان الهدي هو ما يُهْدَى من موضعٍ إلى موضعٍ، وهو من الحِلِّ إلى الحرم، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه، ساق من الحل إلى الحرم، لم يجز بظاهر كتاب الله جلَّ وعزَّ وفعل رسول الله أن يكون ذلك شركاً في دمٍ؛ لأنَّهُ لا يقع عليه اسم هدي ولا هو في معناه.

فإن قيل: قد روى مالك، عن أبي الزبير (١)، عن جابرٍ، قال: «نَحَرْنَا يوم الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» (٢)، فثبت بهذا جواز اشتراك السبعة في البدنة والبقرة (٣).

قيل له: معنى هذا الحديث: أنَّ النّبيّ أعطى كل سبعةٍ منهم بدنةً لينحروها فيأكلوا ويطعموا، لا أنَّ ذلك لهديٍ وجب عليهم؛ لأنَّ البُدْنَ التي أعطاهم رسول الله كان قد أوجبها هدياً قبل أن ينحروها، وإنَّما صدَّهم المشركون عن سوْقها إلى مكة.

ألا ترى: إلى قوله ﷿: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح:٢٥]، فثبت بهذا أنَّ الهدي كان مُوجَباً قبل الصدِّ، وأنه لم يذبح للصدِّ.

ومما يدل على صحّة ما قلنا: أنَّ ابن عمر قد كان مشاهداً للحديبية كما


(١) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي، صدوقٌ إلَّا أنَّهُ يدلس، من الرابعة. تقريب التهذيب، ص (٨٩٥).
(٢) أخرجه مالك [٣/ ٦٩٣]، ومن طريقه مسلم [٤/ ٨٧]، وهو في التحفة [٢/ ٣٤٢].
(٣) ينظر الاعتراض في: الأم للشافعي [٨/ ٥٨٥]، المجموع للنووي [٨/ ٢٢٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>