فإن قيل: إنّا قد رأينا شيئاً واحداً يُحَلّل ويحرّم، وهو وطء الزّوج، يحلّل هذا الوطء المرأة للزّوج الّذي طلّقها ثلاثاً، ويحرّمها على أبي الواطئ وابنه، فقد صار شيئاً واحداً محرّمَاً محلّلاً؛ وكذلك الكيل والوزن علّة التّحريم والتّحليل؟ فيقال: هذا غلطٌ؛ من قِبَلِ أنّ الوطء يحرِم على غير الذي يحلِّلُ له، فالتّحليل والتّحريم ليس يرجع إلى شيءٍ واحدٍ؛ وإنّما هو لشخصين مختلفي المعنى، وليس يُنكر، ذلك كالميتة تحلّ للمضطرّ وتحرم على غيره، وعلّة الكيل والوزن نهيٌ عامٌّ ليس فيها واحدٌ بتحريمٍ وآخر بتحليلٍ. وإذا كان كذلك، ثمّ جعلها جاعلٌ علّةً للتّحريم، فلِمَ تنفصل ممّن خالّفّه في جعلها علّةَ التّحليل، وكانت علّةً فاسدةً؛ لأنّ ما أدّى إلى الباطل فهو باطلٌ مثله. قال أبو بكرٍ الأبهري ﵁: وإنّما لم يجز التّفاضل في الجنس الواحد؛ لاتّفاق أغراض النّاس فيه، فلم يجز أن يُخرِجَ من ماله شيئاً من غير عوضٍ يأخذه ولا منفعةٍ تحصل له إذا كان على وجه المعاوضة، فأمّا على غيرها من هبةٍ أو صدقةٍ فإنّ ذلك جائزٌ. وإذا اختلفت أصناف الطّعام جاز التّفاضل فيه يداً بيدٍ؛ لأنّه إذا اختلفت أصنافه اختلفت أغراض النّاس [فيه: في] منافعه، فجاز أن يبيعوه متفاضلاً يداً بيدٍ، ولا خلاف بين العلماء في ذلك، وإذا كان الطّعام جنساً واحداً، لم يجز التّفاضل فيه؛ لاتّفاق الغرض فيه، ولا خلاف في ذلك أيضاً». [٢٠٠]- (ولا يجوز النَّساء في المأكولات منها، المقتاتة منها وغير المقتاتة).