ولأنه لو رأى هلال النحر لما اشتهر، والهلال اسم لما استهلّ به، فإن الله جعل الهلال مواقيت للناس والحج، وهذا إنما يكون إذا أستهل به الناس، والشهر بين، وإن لم يكن هلالا ولا شهرًا.
وأصل هذا المسألة أن الله سبحانه وتعالى علّق أحكامًا شرعية بمسمى الهلال، والشهر: كالصوم والفطر والنحر، فقال تعالى:(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) . فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج.
قال تعالى:(كتب عليكم الصيام) إلى قوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) أنه أوجب صوم -شهر رمضان، وهذا متفق- عليه بين المسلمين، لكن الذي تنازع الناس فيه أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء؟ وإن لم يعلم به الناس؟ وبه يدخل الشهر، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس، والشهر لما اشتهر بينهم؟ على قولين:
فمن قال بالأول يقول: من رأى الهلال وحده فقد دخل ميقات الصوم، ودخل شهر رمضان في حقه، وتلك الليلة هي في نفس الأمر من رمضان، وإن لم يعلم غيره، ويقول من لم يره إذا تبيّن له أنه كان طالعًا قضى الصوم وهذا هو القياس في شهر الفطر، وفي شهر النحر، لكن شهر النحر ما علمت أن أحدًا قال من رآه يقف وحده، دون سائر الحاج، وأنه ينحر في اليوم الثاني، ويرمي جمرة العقبة، ويتحلل دون سائر الحاج، وإنما تنازعوا في الفطر، فالأكثرون الحقوه بالنحر، وقالوا: لا يفطر إلا مع المسلمين وآخرون قالوا: بل الفطر كالصوم، ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يومًا، وتناقض هذه الأقوال يدل على أن الصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة.
وحينئذ فشرط كونه هلالا وشهرًا شهرته بين الناس، واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة، ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد، لكون شهادتهم مردودة، أو لكونهم لم يشهدوا به، كان حكمهم حكم سائر المسلمين، فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين، - فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، وهذا معنى قوله: "صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم