* أما المعنى الإنساني في العيد، فهو أن يشرك أعدادًا لا حصر لها من أبناء الشرق والغرب بالفرح والسرور في وقت واحد، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك بالغبطة، وإذا بأبناء الأمة الواحدة على اختلاف ديارهم يشتركون في السراء كما يشتركون في الضراء، ففي العيد تقوية لهذه الروابط الفكرية والروحية التي يعقدها الدين بين أبناء من مختلف اللغات والأقوام.
* تلك هي بعض المعاني الاجتماعية والإنسانية في العيد، ومن ثم كانت الأعياد مظهرًا واضحًا لهذه المعاني في كل مجتمع.
ومن أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروتها، ويمتد شعوره إلى أبعد مدى.
يوم كانت أمتنا تتذوق طعم السعادة في مجتمعاتنا، كان الأخ يفكر في ليلة العيد بجاره قبل أن يفكر بنفسه، ويقدم حاجة أولاد صديقه على حاجة أولاده.
* حدّث الواقدي قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البأس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي -رحمة لهم- لما عليهم من الثياب الرثة، فانظر كيف تعمل لكسوتهم؟.
قال الواقدي: فكتبت إلى صديق الهاشمي أسأله التوسعة علي، فوجه إلي كيسا مختومًا فيه ألف درهم، فما استقر في يدي حتى كتب إليّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صديقي الهاشمي، فوجهت إليه الكيس بختمه، ثم أخبرت امرأتي بما فعلته فاستحسنته ولم تعنفني عليه، فينما أنا كذلك إذا وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: اصدقني عما فعلت بالكيس الذي وجهته إليك، فعرّفته الخبر فقال لي: إنك حين طلبت مني المال لم أكن أملك إلا ما بعثت به إليك، ثم أرسلت إلى صديقي الثالث أساله المواساة فوجه إلي الكيس الذي بعثت به إليه.