"وذلك أن الصائم حين يرى الناس من حوله صياماً كلهم فإن الصوم يكون يسيراً عليه، ويحس بالتلاحم مع المجتمع الذي يربطه به جانب عبادي يلتقي عليه الجميع".
إن الذي يقارن بين صوم النافلة وصوم رمضان يجد أن في صوم النافلة شيئاً من الكلفة بينما يجد أن صوم رمضان المفروض يسير سهل لا كلفة فيه ولا مشقة للسبب الذي سلف ذكره، حيث أن الصائم في رمضان لا يرى حوله إلا صائمين مثله، فإن خرج إلى السوق وجد الناس فيه صياماً، وإن دخل البيت وجد أهله صياماً، وإنْ ذهب إلى دراسته أو عمله وجد الناس صياماً.. وهكذا فيشعر بمشاركة الجميع له في إمساكه فيكون ذلك عوناً له ومُنْسياً له ما قد يجده من المشقة ولذلك نجد المسلمين الذين يدركهم رمضان في بلاد كافرة دفعتهم الضرورة للذهاب إليها؛ إما لمرض أو لغيره نجدهم يعانون مشقة ظاهرة في صيام رمضان لأن المجتمع من حولهم مفطرون يأكلون ويشربون وهم مضطرون لمخالطتهم.
إذن فشعور الصائم بأن الناس من حوله يشاركونه عبادته يخفف عليه أمر الصوم ويعينه على تحمله بيسر وسهولة وهذا الأمر ملحوظ حتى في المجتمعات التي لم يبق فيها إلا بقايا قليلة للإسلام، فإنك تجد آثار رمضان ظاهرة على الجميع حتى الفساق في ذلك المجتمع الذي غلب عليه الفساد يظهر عليهم أثر هذا الشهر الكريم، وفي ذلك -بلا شك- تربية للمجتمع بجملته.
ومن هنا كانت عناية الإسلام بإصلاح المجتمعات عناية كبيرة، فالفساد بصفته حوادث فردية لا مناص من وقوعه في المجتمع وقد وقع شيء من تلك الحوادث الفردية في مجتمع الصحابة الأطهار، فكان هناك من سرق ومن شرب الخمر ومن زنى فهذا الأمر لابد من وقوعه، لكن الذي لا يصح أن يقع في المجتمع المسلم هو أن تعلن المنكرات ويجاهر بها فيتلوث المجتمع العام ويصبح من العسير على الفرد الذي يريد طريق الخير أن يهتدي لأن المجتمع يضغط عليه ويثنيه عن غايته.