للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنيات، وإنما لكلّ امريء ما نوى"، فهذا لم ينو الصوم إلا بعد مضي جزء من النهار، فليس له من الثواب إلا المقدار الذي نواه.

وهذا مذهب الحنابلة، قال صاحب الإنصاف: "الثواب من وقت النية على الصحيح من المذهب" (١) .

ولعل ما ذهب إليه الأحناف (٢) من أنَّه يُثاب على النَّهار كلّه أصحّ؛ لأنه يلزم على قول الشافعية والحنابلة أن يكون الصوم متجزئاً، ونحن نعلم أنّ الصوم إنَّما يكون يوماً كاملاً من الفجر إلى الليل، وهذا أمسك النَّهار كلَّه وأخّر النيّة، وفضل الله واسع فلا يحجر، فيثاب الناوي نهارا على اليوم كلّه، كما يثاب من يدرك بعض صلاة الجماعة ثواب الجماعة، وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى.

صفة النيّة في الصوم

أما الصوم فلا يتأدى بمجرد نيّة الفعل، بل لابد من أن ينوي صوم رمضان، والسبب في هذا أنَّ الصوم منه التطوع ومنه الواجب، والواجب قد يكون عن شهر رمضان أو كفّارة أو نذر، ولا يتميز رمضان عما سواه إلا بقصده قصداً واضحاً بحيث لا يختلط بغيره.

وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي، وأحمد في أظهر روايتيه، بل إنَّ هؤلاء الأئمة الأعلام قالوا بوجوب نيّة الفرضية في الصوم، وممن قال بذلك إسحاق وداود الظاهري، وإن كان الأرجح في مذهب الشافعية والحنابلة عدم اشتراطها.

وخالف الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- وجميع أصحابه، فقالوا: يتأدى صوم شهر رمضان بنيّةٍ مطلقة من المقيم الصحيح، بل ويتأدى عندهم بنيّة النفل، ونيّة القضاء والكفارة، وحُجَّة أبي حنيفة عدم قابلية المحل؛ لأن شهر رمضان متعينّ لصوم الفرض لمن شهده صحيحاً غير مريض، واحتجّوا بقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: ١٨٥] . والصحيح المقيم شهد الشهر وصامه، فيخرج من العهدة.

وقد أوردنا فيما سبق اعتراض الشافعي -رحمه الله- أن الواجب الموسع قد يتضيق


(١) "الإنصاف" (٣/٣٩٨) .
(٢) "الهداية" (٢/٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>