للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما يشهد هذا انتصار المسلمين، فقد شهد أيضاً غدر الصرب الذي ذهب ضحيته سلطان المسلمين مراد، فمات أوائل شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الهجرة -رحمه الله- وسجل التاريخ منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا أن الصرب لا يلتزمون بعهد ولا ميثاق، ولا يعرفون في تعاملهم مع المسلمين إلا لغة القوة والبطش وسفك الدماء.

واليوم وكما غدر الصرب وأعوانهم بقائد المسلمين في تلك المعركة يغدرون بالمسلمين جميعاً في البوسنة والهرسك، فيقتلون ويأسرون ويغتصبون لا يردعهم خلق ولا دين، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، والعجب كل العجب أن يقف المسلمون جميعا موقف المتفرج على هذا كله" (١) .

سنة ٨٢٧ هـ ٢٥ رمضان فتح بلغراد عاصمة المجر على يد السلطان العثماني سليمان القانوني:

"كان السلطان سليمان قد أرسل سفيراً إلى ملك المجر يطلب منه دفع الجزية أو الحرب، فما كان من ملك المجر (لويز الثاني) إلّا أن أمر بإعدام السفير، مما أثار غضب السلطان سليمان، فأمر بتجهيز الجيوش وجمع كل ما تتطلبه من الذخائر والمؤن، وسار هو بنفسه في مقدمة الجيش، وأرسل أحد مشاهير قواده (واسمه أحمد باشا) لمحاصرة مدينة "شابتس" (٢) القريبة من بلغراد، ففتحها يوم ٢ شعبان سنة ٩٢٧ ص (الموافق ٨ تموز - يوليو سنة ١٥٢١م) ، ووصل إليها السلطان سليمان في اليوم التالي، ثم قاد الجيوش التي كانت تقوم على حصار هذه المدينة لمساعدة وزيره (بير محمد باشا) الذي كان يحاصر مدينة بلغراد، ويضيق الخناق عليها، ودافع المجريون عن عاصمتهم دفاعاً شديداً، غير أن جند المسلمين تمكنوا من اقتحامها يوم ٢٥ رمضان سنة ٩٢٧ هـ (٢٩ أغسطس سنة ١٥٢١م) وأخلى الجنود المجريون قلعتها، ودخلها السلطان، وصلى الجمعة في إحدى كنائسها التي حُولت فوراً إلى مسجد. وصارت هذه المدينة التي كانت أمنع حصن للمجرين ضد تقدم القوات العثمانية، أكبر مساعد لها على فتح ما وراء


(١) "من معارك المسلمين في رمضان" (ص ٨٤-٨٧) .
(٢) تقع إلى الشمال من بلغراد وتسمى اليوم سابوتيكا.

<<  <  ج: ص:  >  >>