للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسلمون لم يَصُوموا فتصبح شهادته لاغية في حَقِّه وحق غيره فلا يصوم. هذا هو الأرجح. والله ولي التوفيق (١) .

- وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

عن أهل المدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة، ولم يَثْبُت عند حاكم المدينة؛ فهل لهم أن يَصُوموا اليوم الذي في الظَّاهر التاسع. وإن كان في الباطن العاشر؟

فأجاب: نعم. يَصُومون التَّاسع في الظاهر المعروف عند الجماعة، وإن كان في نفس الأمر يكون عاشرا، ولو قُدِّر ثبوت تلك الرؤية.

فإن في "السنن" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "صَوْمُكُم يوم تَصُومُون، وفِطركم يَوْم تُفْطِرُون، وَأَضْحَاكُم يَوم تُضحُّون" أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والترمذي وصححه، وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الفِطْر يَوْم يُفْطِر النَّاس، والأَضْحَى يَوم يُضح النَّاس" رواه الترمذي. وَعَلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم، فإنَّ الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزاهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم، ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع، والأظهر صحة الوقوف أيضًا، وهو أحد القولين في مذهب مالك، ومذهب أحمد وغيره.

قالت عائشة رضي الله عنها: "إِنما عَرَفة اليوم الّذي يَعرفُه النَّاس". وأصل ذلك: أن الله سبحانه وتعالى عَلَّق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [البقرة: ١٨٩] . والهلال اسم لما يستهل به: أي يعلن به، ويجهر به فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا.

وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة؟ لظنهم أنه إذا طَلَع في السَّماء كان تلك الليلة أَوَّل الشهر، سَواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا. وليس كذلك: بل ظهوره للناس واستهلالهم به لابد منه ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَوْمُكُم يَوْم تَصُومُون، وَفِطْرُكم يَوْم تُفْطِرُون وَأَضْحَاكُم يَوْم تُضَحون" أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم، والفطر،


(١) "مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز" (٣/١٧٦، ١٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>