وصوم اليوم الذي يشك فيه: هِل هو تاسع ذي الحجة؟ أو عاشر ذي الحجة؟ جائز. -بلا نزاع بين العلماء-؛ لأن الأَصل عدَم العاشر، كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان: هل طلع الهلال؟ أم لم يطلع؟ فإِنهم يَصُومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة. وإنما يوم الشك -الذي رويت فيه الكراهة- الشك في أول رمضان، لأن الأصل بقاء شعبان.
وإنما الذي يشتبه في هذا الباب مسألتان:
إحْدَاهما: لو رأى هلال شوال وحده، أو أخبره به جماعة يعلم صدقهم هل يفطر؟ أم لا؟
والثانية: لو رأى هلال ذي الحجة، أو أخبره جماعة يعلم صدقهم، هل يكون في حقه يوم عرفة، ويوم النحر هو التاسع، والعاشر بحسب هذه الرؤية التي لم تشتهر عند الناس؟ أو هو التاسع والعاشر الذي اشتهر عند الناس؟
فأما المسألة الأولى: فالمنفرد برؤية هلال شوال، لا يفطر علانية، باتفاق العلماء. إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر، وهل يفطر سرًا؟ ذلك على قولين للعلماء أصحهما: لا يُفطِر سرا، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور في مذهبهما.
وفيهما قول: أنه يُفطِر سرًّا كالمشهور في مذهب أبي حنيفة، والشافعي وقد روي أن رجلين في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأيا هلال شوال، فأفطر أحدهما، ولم يفطر الآخر. فلما بلغ ذلك عمر قال للذي أفطر:"لولا صَاحِبك لأَوجَعْتُك ضَربًا".
والسبب في ذلك أن الفطر يوم يفطر الناس وهو يوم العيد، والذي صامه المنفرد برؤية الهلال ليس هو يوم العيد الذي نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صومه، فإنه نهى عن صوم يوم الفطر، ويوم النحر، وقال: (أَما أَحَدُهما فَيَوم فِطْرِكُم من صَوْمِكمْ، وأَما الآخر فيوم تأكلون فيه من نُسُكِكُم". فالذي نهى عن صومه هو اليوم الذي يفطره المسلمون، وينسك فيه المسلمون.
وهذا يظهر بالمسألة الثانية، فإنه لو انفرد برؤية ذي الحجة لم يكن له أن يقف قبل الناس في اليوم الذي هو في الظاهر الثامن، وإن كان بحسب رؤيته هو التاسع، وهذا لأن