للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتساقطت مدن الثغور الواحدة تلو الأخرى في يد المسلمين، وكان ذلك في شهر رمضان. وعيد السلطان بيبرس -رحمه الله- في مدينة "سيس" وهي كرسيُّ المملكة الأرمينية، واستولى على قصر الملك، واتجهت فرقة من الجيش المملوكي إلى مدينة "إياس" وهي ميناء أرمينية على البحر الأبيض فاستولت عليها، وفرت مجموعة من الأرمن والفرنج عبر البحر فغرقوا فيه وهكذا لم يكمُل شهر رمضان إلا والجيوش الإسلامية قد أتمت استعادة بلاد الثغر، واستحق السلطان بيبرس أن يوصف بقاهر الصليبيين والمغول. ولا غرو في ذلك فهو تلميذ صلاح الدين -رحمه الله- سار على منهجه، واتبع خطاه في الجهاد، فحقق الله على يديه النصر العظيم، وكان ذلك بعد عملٍ دؤوب وكفاح مستمر وتحقيق لعوامل النصر كما أوضحها القرآن الكريم، فالنصر دائماً مع المسلمين إن هم صدقوا الله وطبقوا شرعه وعملوا بمقتضاه.

وتغنى الشعراء بهذا النصر العظيم وخلّدوه في شعرهم، يقول أحدهم:

أي يوم بنصره قد حُبينا ... وبه الله قد أقرَّ العيونا

يومَ جزنا بلاد سيسٍ وقلنا ... أيّ نصرٍ من ربِّنا قد جُزينا

إذ تبدَّى السلطان بين نجوم ... من بني الترك يعشقون المنونا

إلى أن يقول:

وترامت كل البلاد وقالت: ... ليتنا مثل سيس قد غُزينا

ليت جيش السلطان وافى إلينا ... ليت أنا بخيله قد وُطينا

وصدق هذا الشاعر فكم من البلاد تتمنى حكم المسلمين، وتحنّ إلى عدلهم ورحمتهم (١) .

سنة ٧٠٢ هـ ٢ رمضان ٢٠ إبريل سنة ١٣٠٣م "معركة شقحب (٢) " أو معركة "مرج الصُّفر":

يرى المؤرخ الأرمني أن السبب في سير هذه الحملة التي وقعت فيها معركة شقحب كان رغبة قازان حفيد هولاكو في تحطيم سلطان المسلمين في مصر واسترداد الأرض


(١) "من معارك المسلمين في رمضان" (ص ٧٥-٧٧) .
(٢) شقحب: عين ماء جنوب دمشق بعد قرية الكسوة على يمين الذاهب إلى حوراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>