ولم يكتف الأرمن بذلك بل كان لهم أثر كبير في تشجيع المغول الوثنيين ودعوتهم لمهاجمة المسلمين، وعقد ملوك أرمينيا الصغرى تحالفاً معهم ضد المسلمين. ولما جاءت الجيويق المغولية، واكتسحت العالم الإسلامي انضمت جموع النصارى من الأرمن وغيرهم معهم، وكانوا لا يقلون عنفاً وقسوة في تعاملهم مع المسلمين. وهذا هو الذي جعل المسلمين يعدّون الأرمن "أخبث عدو للمسلمين" كما يقول أحد المؤرخين.
ولكن وكما أشرنا إليه في الصفحات السابقة فإن الأمة الإسلامية كانت لا تستكين للهزيمة، ولا تستسلم للذل، وهذا هو ما يريده الله سبحانه وتعالى لها، أمة مستعلية بدينها منتصرة بعقيدتها، مستمدة أسباب ذلك منه -عز وجل-.
وبعد أن أفاقت الأمة الإسلامية من هول الاكتساح المغولي بدأ حكامها في العمل على تقويتها، وأدركوا مدى الخطر العظيم الذي يمثله نصارى الأرمن على حدود الدول الشمالية، فخططوا لإخضاعهم وكسر شوكتهم، وكان ذلك في عهد السلطان المملوكي "الظاهر بيبرس".
وهذا الحاكم المسلم واحد من أعظم قادة الأمة الإسلامية في التاريخ، حقق الله على يديه لأمة الإسلام انتصارات عظيمة على المغول والصليبيين. ووضع -رحمه الله- مملكة أرمينيا الصغرى نصب عينيه، وانتهز فرصة هدوء الأوضاع على جبهات القتال مع المغول والصليبيين، فكوّن جيشا عظيما هدفُه استعادة أملاك المسلمين التي استولى عليها نصارى الأرمن، ولكنه أسرََّ ذلك ولم يطلع عليه أحداً من قادته، وسار الجيش الإسلامي من مصر قاصداً الشام ثم اتجه شمالاً إلى بلاد الثغور وكان بيبرس على رأس الجيوش ووصلوا إلى تلك المناطق، ولنترك وصف مسير هذا الجيش لمؤرخ معاصر لهذه الحملة هو ابن عبد الظاهر حيث يقول:"ووصل الجيش النهرَ الأسودَ، وقطعته العساكر بمشقة، ووقف السلطان حتى عدَّى بأكثر الناس، وفرق الأمراء بجيوشهم كل واحد منهم إلى جهة، فطلعوا الجبال وما سأل أحد عن طريق، ولا بالى بمضيق، ومروا وعليهم جبال من الحديد لامعة، وسنابك الخيل تتلوى على الجبال، والأرض ترج رجّاً والجبال تبسُّ بساً وتغدو هباء منبثا".