"قال ابن دقيق العيد: تباينت في هذه القصة المذاهب: فقيل إنه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استقرارها في ذمته إلى حين يساره، وهو أحد قولي الشافعية وجزم به عيسى بن دينار من المالكية. وقال الأوزاعي يستغفر الله ولا يعود. ويتأيد ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما أن صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه وكفارة الجماع لا أمد لها فتستقر في الذمة.
وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها بل فيه ما يدل على استمرارها على العاجز، وقال الجمهور: لا تسقط الكفارة بالإعسار، والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة. قيل لما كان عاجزًا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم، وهذا هو ظاهر الحديث.
قال الشيخ تقي الدين: وأقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة بل على جهة أصدق عليه وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذًا من هذا الحديث. وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان فلا دلالة فيه لأن العلم بالوجوب قد تقدم. ولم يرد في الحديث ما يدل على الإسقاط لأنه لما أخبره بعجزه، ثم أمره بإخراج العرق دل على أن لا سقوط عن العاجز، ولعله أخر البيان إلى وقت الحاجة وهو القدرة أ. هـ.
وتصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مال الصدقة تصرف الإمام في إخراج مال الصدقة فلا يكون فيه إسقاط ولا أكل المرء من كفارة نفسه ولا إنفاقه على من تلزمه نفقتهم من كفارة نفسه".
[خلافهم في الكفارة]
اختلفوا في إيجاب الكفارة بالقبلة والنظر والمباشرة والإنعاظ.
ورأى الجمهور أقوى وأرجح أن لا كفارة.
واختلفوا في وجوب الكفارة على من أكل أو شرب متعمدًا فذهب مالك