يا إخوتاه ليس من رغب إلى الله كمن رغب عن الله -ليس من بقي مع الله كمن بقي عن الله- ليس من عمره كله رمضان كمن عمره كله للجشاء والطعام فمن الناس قوم قبل رمضان يأخذون بحظ أنفسهم من الشهوات والأكل ويقولون هي أيام توديع للأكل والطعام.
وربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة بل يتعدى إلى المحرمات وهذا هو الخسران المبين، وأنشد لبعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولت ... فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق على الصغار
ونرد عليه:
إذا العشرون من شعبان ولت ... فواصل ذكر ليلك بالنهار
وقال آخر:
جاء شعبان منذراً بالصيام ... فاسقياني راحا بماء الغمام
ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه وله نصيب من قوله:(وقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها) الآية وربما تكره كثير منهم بصيام رمضان حتى أن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه وكان للرشيد ابن سفيه فقال مرة شعراً:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الأنام بقدرة ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة ومات قبل أن يدركه رمضان آخر.