"إنما نهى عن صيام أيام التشريق لأنها أعياد المسلمين مع يوم النحر، فلا تصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء خلافا لعطاء في قوله: إن النهي يختص بأهل منى، وإنما نهى عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق، فأما صيامها عن قضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بين العلماء، ولا فرق بين يوم منها ويوم عند الأكثرين إلا عند مالك فإنه قال: في اليوم الثالث منها يجوز صيامه عن نذر خاصة".
سرّ حسن:
قال ابن رجب في "اللطائف"(ص ٣٠٥) : "وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل فيها والشرب سرّ حسن وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم، فهم في ضيافة الله عز وجل لطفاً من الله بهم ورأفة ورحمة، وشاركهم أيضاً أهل الأمصار في ذلك، لأن أهل الأمصار شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله.
والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم وبالذكر والاجتهاد في العبادات، وشاركوهم في حصول المغفرة وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحى فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الراحة في أيام الأعياد بالأكل والشرب كما اشتركوا جميعاً في أيام العشر في الاجتهاد في الطاعة والنصب، وصار المسلمون كلهم في ضيافة الله عز وجل في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله، ونهوا عن صيامها لأن الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه، فكأنه قيل للمؤمنين في هذه الأيام قد فرغ عملكم الذي عملتموه فما بقي لكم إلا الراحة فهذه الراحة بهذا التعب كما أريح الصائمون لله شهر رمضان بأمره بإفطار يوم العيد.
ويؤخذ من هذا إشارة إلى حال المؤمنين في الدنيا، فإن الدنيا كلها أيام سفر كأيام الحج، وهو زمان إحرام المؤمن عما حرم الله عليه من الشهوات فمن صبر في مدة سفره