وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، فإن بين العامين فرقًا واضحًا، ومن أجراهما مجرى واحداً لم يصب، فإن مجرد ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به كنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان، وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات وتعيين المحتملات.
وقال ابن المنير: هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم، وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله والله أعلم.
وحمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة فقال: معنى قوله: "ليس من البر" أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح وجزم ابن خزيمة وغيره بهذا المعنى.
وقال الطحاوي: المراد بالبر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد إخراج الصوم في السفر عن أن يكون برًّا لأن الإفطار قد يكون أبرّ من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلاً، وهو نظير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس المسكين بالطواف" ... الحديث، فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه ويستحي أن يسأل ولا يفطن له.
***
[المسألة الثانية [هل الصوم في السفر أفضل أم الفطر]]
قال ابن رشد في "بداية المجتهد"(٢/١٦٧-١٦٨) :
"إذا قلنا أنه -أي المسافر- من أهل الفطر على مذهب الجمهور؛ فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب:
* فبعضهم رأى الصوم أفضل، وممن قال بهذا القول: مالك وأبو حنيفة.