وهذا الحديث نص في المسألة، ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا وهو شاهد لمن قال: إن الفطر أفضل لمن شق عليه الصوم، ويتأكد ذلك إذا كان يحتاج إلى الفطر للتقوي على لقاء العدو.
* وروى الطبري في تهذيبه من طريق خيثمة سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن الصوم في السفر فقال: لقد أمرت غلامي أن يصوم، قال فقلت له: فأين هذه الآية (فعدة من أيام أخر) فقال: إنها نزلت ونحن نرتحل جياعًا وننزل على غير شبع، وأما اليوم فنرتحل شباعًا وننزل على شبع" فأشار أنس إلى الصفة التي يكون فيها الفطر أفضل من الصوم.
* ما الجواب عن قول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس من البر الصيام في السفر" فسلك المجيزون فيه طرقًا:
* فقال بعضهم قد خرج على سبب فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله، وإلى هذا جنح البخاري في ترجمته "باب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن ظُلِّلَ واشتد عليه الحر "ليس من البر الصوم في السفر".
وساق الطبري سبب وروده الحديث ولفظه عنده من رواية كعب بن عاصم الاشعري:"سافرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن في حر شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الوجع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما لصاحبكم، أي وجع به؟ فقالوا: ليس به وجع، ولكنه صائم وقد اشتد عليه الحر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذ: "ليس من البر أن تصوموا في السفر عليكم برخصة الله التي رخّص لكم"، ثم قال الطبري بعده: فكان قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك لمن كان في مثل هذه الحال.
قال ابن دقيق العيد: أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزل قوله: "ليس من البر الصوم في السفر" على مثل هذه الحالة، ثم قال ابن دقيق العيد: والمانعون في السفر يقولون: إن اللفظ عام، والعبرة بعمومه لا بخصوص السبب قال: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن على تخصيص العام