"إن كثرة الأغذية ورطوبتها، تولد في الجسم فضلات رديئة ينشأ عنها بعد أقطارها وضخامتها من غير نسبة كما ينشأ عنها كثرة الأخلاط الفاسدة، ويتبع ذلك انكشاف الألون، وقبح الأشكال من كثرة اللحم -كما قلنا- وتغطي الرطوبات على الأذهان والأفكار، بما يصعد على الدماغ من أبخرتها الرديئة فتجيء البلادة والغفلة والانحراف عن الاعتدال والجمال..
واعتبر ذلك في حيوانات القفر.. ومواطن الجدب.. (من الغزال، والزرافة والمها، والحمر الوحشية، والبقر الوحشي) مع أمثالها من حيوان التلول والأرياف، والمراعي الخصبة كيف تجد بينها بونًا بعيدًا، في صفاء أديمها، وحسن رونقها وأشكالها، وتناسب أعضائها، وحدة مداركها؟
فالغزال أخو الماعز، والزرافة أخت البعير، والحمار والبقر.. أخو الحمار والبقر. والبون بينهما ما رأيت..
"وما ذاك إلا لأجل أن الخصب في التلول فعل في أبدان هذه من الفضلات الرديئة والأخلاط الفاسدة ما ظهر عليها أثره.. والجوع لحيوان القفر حسن في خلقها وأشكالها ما شاء" (واعتبر ذلك أيضاً في الآدميين) ويؤكد ما ذكره (ابن خلدون) ما جاء في الحديث الصحيح: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه.. فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" [رواه أحمد عن المقدم ابن معد يكرب](١) .
(١) صوم بعض الحيوانات آثناء فترة النزو الجنسي:
مثل ذلك: سمك السلمون.
إن هذا النوع من السمك، حين يبدأ بالهجرة من البحار نحو الأنهار للتكاثر، وتكون عضلاته محملة بكميات كبيرة من الشحوم، لذلك تراه يصوم خلال فترة الهجرة والرحلة هذه، يكون جسمه قد هزل وطرأت عليه نحافة
(١) من مقالة الصوم ضرورة صحية واجتماعية للإنسان والحيوان والطيور البرية والبحرية "الوعي الإسلامي" العدد ٣٣٧ رمضان ١٤١٤هـ.