وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه، ويفطر، فمذهب مالك والشافعي، وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، وهو ستة عشر فرسخًا، كما بين مكة وعسفان، ومكة وجدة. وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين. وهذا قول قوي، فإنه قد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بعرفة، ومزدلفة، ومنى، يقصر الصلاة، وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، لم يأمر أحدًا منهم بإتمام الصلاة.
وإذا سافر في أثناء يوم، فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين العلماء، هما روايتان عن أحمد.
أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في السنن أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نوى الصوم في السفر، ثم إنه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه.
وأما اليوم الثاني: فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة.
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم، ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء؛ لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك.
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوى إليه. كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم. وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين. ونحوهم، وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر، ولا يفطر.
وأهل البادية: كأعراب العرب، والأكراد، والترك، وغيرهم والذين يشتون في مكان، ويصيفون في مكان، إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى