ألم يأن تركي ما عليّ ولا ليَا ... وعَزْمي على ما فيه إصلاح حاليا
وقد نال مني الدهر وابيض مفرقي ... بكرّ الليالي والليالي كما هيا
أصوّتُ بالدنيا وليست تجيبني ... أحاول أن أبقى وكيف بقائيا
وما تبرح الأيام تحذف مدتي ... بعد حساب لا كعدّ حسابيا
أليس الليالي غاصباتي مهجتي ... كما غصبت قبلي القرون الخواليا
وتسكنني لحداً لدى حفرة بها ... يطول إلى أخرى الليالي ثُوائيا
فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي ... أكون ترابًا لا عليّ ولا ليَا
فاغتنموا إخواني زمنكم، وبادروا بالصحة سقمكم، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم، وكأنكم بالحميم وقد دفنكم، وبالعمل في القبر قد ارتهنكم (١) ؟
أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان ليلهم قيام ونهارهم صيام؟!
باع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتها فقالوا نتهيأ لصيام رمضان فقالت وأنتم لا تصومون إلا رمضان! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ردوني عليهم.
باع الحسن بن صالح جارية له فلما انتصف الليل قامت فنادتهم يا أهل الدار الصلاة الصلاة، قالوا طلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة!! ثم جاءت الحسن فقالت: بعتني إلى قوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.
قيل لبشر إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقّاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها.
وقيل لأحد الصالحين أيهما أفضل رجب أو شعبان فقال: كن ربانيّاً ولا تكن شعبانيّاً.
قال بعض السلف: صم الدنيا، واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر
(١) "التبصرة" (٢/٢٦٦-٢٦٧) .